مسلم ملحد ؟؟؟ لا، ليس هذا خطأ طباعياً في العنوان، أنا ملحد شاءت الصدفة أن ألد لعائلة مسلمة في بلد غالبية سكانه من المسلمين، وبناء على ذلك تم تسجيلي في السجلات المدنية على أني مسلم بدون أن يكون لي يد في ذلك، مثل أي طفل آخر يلد في بلادنا.
أنا ملحد من ناحية الإيمان، لكني مسلم من ناحية الانتماء، أهلي مسلمون والكثير من أصدقائي مسلمون وغالبية سكان بلدي الأول سوريا مسلمون، أتكلم لغتهم وأفرح لفرحهم وأتألم لألمهم، أهنئهم بولاداتهم وأفراحههم وأعزيهم بوفياتهم وأتراحهم، باختصار هم - مع جميع السوريين من الطوائف الأخرى – أهلي، والإنسان لا ينكر أصله وأهله.
لا أحد يكره الإسلام السياسي كما أكرهه، ولا يوجد من يعارض تطبيق الشريعة كما أعارض وليس هناك من ينفر من السلفية ومظاهرها كما أنفر، ولا أحد يستطيع المزاودة علي في العلمانية والحرية وضرورتهما.
- فلئن اشتكى المسيحي من رغبة المتأسلمين بفرض الجزية عليه أقول له أنت محظوظ، هم لا يرغبون إلا بفضل رأسي عن جسدي.
- وإن تأفف من إجياره على تحجيب زوجته أقول له اضحك في سرك، هم لا يرضون بأقل من تفريقي عن زوجتي.
- وإن تبرم من عدم السماح له بإشهار شعائر دينه أحسده في سري، على الأقل هم لن يجبرونه على أداء شعائر دينهم.
ذكرت هذه المقدمة فقط لأبين للمسيحيين جميعاً من أنا وكيف أفكر، أنا ملحد لا أؤمن بأي غيبيات أو آلهة من أي نوع، ولكني أؤيد حق أي انسان أن يعتقد ما يشاء طالما لم يفرض اعتقاده على الآخرين، وبناء على هذا الموقف لن أتردد في دعم أي مطلب مسيحي مشروع دعما مطلقاً:
- فإن طالب بإالغاء تحديد دين رئيس الجمهورية في الدستور فأنا معه.
- وإن طالب بعدم صرف أموال الضرائب التي يساهم فيها على وزارة الأوقاف التي لا يستفيد منها فهذا حق لا شك فيه.
- وإن طالب بعدم فرض قوانين الإرث الإسلامية عليه فهذا مشروع.
- وإن طالب بوقت على إذاعات الدولة السورية يخصص لنشر الدين المسيحي مناسب لما يقدم للدين الإسلامي فأنا معه طالما أن ضرائبه تمول هذا التلفزيون (مع أني أؤيد إلغاء الدعوة لأي دين على إذاعة الدولة).
وهكذا .....
ولكني سأخصص هذا المقال لظاهرة غريبة وخطيرة بدأت تتنامى مؤخراً خصوصاً على الإنترنت التي تقدم منبراً حراً بشكل مطلق بإمكان كل إنسان أن يقول فيه ما يريد، هذه الظاهرة هي تحول البعض (وأرجو بشدة أن يكون هذا البعض قليلاً) من المسيحيين الشرقيين إلى مهاجمة الإسلام كعقيدة والنبي محمد كشخصية وإطلاق كافة الشتائم والنعوت القبيحة بحقهما وحق كل من يتبعهما مما يخطر ولا يخطر على البال.
وتحول بعضهم إلى "باحثين تاريخيين"، ينقبون الكتب الإسلامية الصفراء بحثاً عن كل ما ينتقص من محمد وصحابته كي يشبعوا أي مسلم يقرأ لهم أو يسمعهم هزؤاً وسخرية من معتقداته وكتبه ودينه.
بل وذهب الأمر بالسخف إلى أبعد من ذلك، إذ بدأ بعض العباقرة منهم في الحديث عن "الاحتلال الإسلامي - العربي" لمصر أولا ومؤخراً لسوريا أيضاً، وكأن مسلمو مصر وسوريا غزاة جاؤوا من الجزيرة العربية وليسوا من السكان الأصليين الذين قرر أحد أسلافهم اعتناق الإسلام في مرحلة ما ربما تخلصاً من الجزية أو طاعة لشيخ قبيلته أو إكراها بحد السيف، مثله تماماً مثل سلف سابق قرر قراراً مشابهاً ولنفس الأسباب قبله ببضع مئات من السنين بالتحول من الوثنية إلى المسيحية .......
هل تظن عزيزي القارئ أن هذا أسوأ ما يقال ؟ كلا للأسف، سمعتهم أكثر من مرة يردون على كل مسلم معتدل يقول لهم أن الإسلام يحترم بقية الأديان السماوية – مع تحفظي الشخصي على كلمة السماوية - وبأنه ضد الجزية والتمييز وأنه مع مبدأ المواطنة، يردون عليه بأنه جاهل لا يعرف دينه ولو عرفه لأصبح إرهابياً مجرماً مثل بقية "الهمج الغزاة" ...........
ونظراً لكوني في النهاية واحداً من هؤلاء "الغزاة الهمج" انتماءً، أريد في هذ المقال الرد على طروحات هؤلاء "الباحثين العلميين" بطريقة منهجية، وسأقسم ردي إلى قسمين، رد على منطقية الطروحات و"الأبحاث التاريخية" ورد من الناحية العملية على جدوى هذه الطروحات و"الأبحاث" من الأساس.
أولاً: الرد من الناحية المنطقية:
1 – إنكار المسيحي على المسلم استعمال نفس الآليات "العقلية" و"المنطقية" التي جعلته يتصور أن المسيحية هي دين متسامح:
يصول الجهبذ المتمسح – على وزن متأسلم إن صح التعبير - ويجول في النصوص القرآنية وكتب الأحاديث والسيرة مقتطعاً منها الاقتباسات المطولة التي تتحدث عن الحرب والدماء، ورضاع الكبير والشجاع الأقرع والتبرك ببول الرسول قافزاً بثقة من ذلك إلى الاستنتاج باستحالة إصلاح الإسلام تماماً نظراً لأنه لا يمكن أن يؤمن إنسان بعصمة هذه النصوص ويكون بشراً سوياً في وقت واحد، أليس هذا واضحاً لكل ذي عين ؟
لكن ..
هل قرأ المسيحي العهد القديم يا ترى ؟ ألا يعرف أن ما فيه من الدماء والقتل والخرافات لا يقل، إن لم يكن يزيد عما في القرآن من ذلك ؟ ألا يعرف أن كل ما يعيبه في الإسلام موجود في كتابه المقدس وزيادة ؟
سأسأل أسئلة لا جواب عليها إلا بنعم أو لا:
- هل العهد القديم جزء من الكتاب المقدس نعم أم لا ؟
- هل إله العهد القديم المتوحش هو إله آخر غير يسوع الحمل الوديع نعم أم لا ؟
- أم هل تغيرت شخصيته عندما نضج نعم أم لا ؟
- أم هل اكتشف أن طريقة العهد القديم في التعامل مع الناس فاشلة ولذلك غير من مقاربته عل الطريقة الجديدة تنجح ؟
وحتى إذا فرضت بسحر ساحر اني أستطيع تجاهل العهد القديم والتركيز على العهد الجديد الإيجابي، لماذا أتمسك بالوصايا العشر ؟ والمزامير ؟ ونشيد الإنشاد ؟ وغيرها ؟ أليسوا جميعاً من الكتاب القديم "المنسوخ" ؟ وإذا تجاهلتها أيضاً هل أبقى مسيحي أم أن لدي ديانة خاصة لا يشاركني بها أحد ؟
أطلب من كل من "باحث" من هذا النوع ان ينظر إلى المرآة مطولاً ويسأل نفسه:
"يا هل ترى ما هي الآلية العقلية والمنطقية التي اعتمدتها في تجاهل كل ما هو مخزي في الكتاب المقدس وتصديق كل ما هو جميل" ؟؟؟
وبعد أن يجيب يسأل نفسه ثانية:
"ألا يمكن أن يستعمل المسلم نفس الآلية يا ترى" ؟؟
2 – تسهيل الرد على المسلمين بالهجوم المعاكس:
سمعتها وقرأتها عشرات المرات، أسهل طريقة للدفاع هي الهجوم، فعوضاً من أن يدافع المسلم عن نصوصه الخرافية والمتناقضة والدموية ويعيد النظر بصحتها يلجأ إلى الطريق الأسهل: مهاجمة مقابلات هذه النصوص في الكتاب المقدس ثم الضحك على تناقض المسيحي الذي يعيب على المسلم ما ابتلي به هو شخصياً.
وكلام المسلم سليم، والطريف أن كلام المسيحي سليم أيضاً، فكلا الكتابين (القرآن والكتاب المقدس) حافلين بما لذ وطاب من الخرافة والتناقض والدموية مما يجعل من السهولة بمكان لأي شخص أن يسرح ويمرح بهما كما يشاء بدون جهد يذكر، ولكن العمى الإيديولوجي الذي يضرب بصيرة المتدين فيحجب عنه تناقضات وخرافات دينه بينما يترك له "العقل" و"التفكير" ليتمعن في الأديان الأخرى بتجرد يجعله يتصور أنه أتى بما لم يأت به الأولون حين يقرأ عن دين الآخرين ويكتشف عيوبه ويتعجب من "صغر عقولهم" عندما يصدقون تلك الخرافات المضحكة !!
3 – تناسي أن الإسلام قطع شوطاً بعيداً في الإصلاح فعلاً قبل الردة الحضارية بعد هزيمة المشروع العربي:
على كل من يتصور استحالة إصلاح الإسلام أن يخرج إلى السوق ويشتري فيديو عن حفلة لأم كلثوم أو عبد الحليم حافظ، ويبحث فيهما عن أي أثر للحجاب بين الجمهور، وإذا وجده فليخبرني، وهنا لدينا تفسيرين:
أ – أن كل حضور تلك الحفلات كانوا من المسيحيين "المتحضرين"، ولكن مهلاً، فعبد الحليم وأم كلثوم هما نفسهما من "الهمج" ....
ب – أن الأمور لم تكن وقتها كما هي الآن.
كل من تجاوز الأربعين عاماً رأي بعينه التحول التدريجي نحو التشدد والخبل الديني الإسلامي المتدروش، ويعرف بالضبط ان إسلام الخمسينات والستينات بل والسبعينات وأوائل الثمانينات كان مدجناً، وديعاً وحضارياً مثل المسيحية الآن بالضبط.
هل كان يجرؤ وقتها شيخ على التكفير بسبب وبلا سبب ؟ والإفتاء ببول البعير وأفضلية النقاب على الحجاب ؟
لماذا لم يكن وقتها يوجد من يتكلم بالجزية والجهاد والتمترس ودار الإسلام والحرب ؟ كيف سمحت تعاليم الإسلام "الدموية المتحجرة" للنساء أن يتحررن وقتها من الحجاب ؟ كيف يا ترى ؟
كيف سمح المسلمون المتعصبون الهمج لفارس الخوري ونايف حواتمة وجورج حبش بتبوء أعلى المناصب ؟
أين كانت المصارف الإسلامية والطب النبوي والملابس الإسلامية والجوامع المكتظة ومشايخ البزنس وزواج المسفار والمسيار ؟
وهذا كله يقودني إلى الفقرة التالية:
4 - تناسي كم استغرق إصلاح المسيحية:
يعترف الجهبذ المتمسح بوقوع أخطاء في التاريخ المسيحي – وهذه نقطة لصالحه -، فلم أسمع أحدا منهم يدافع عن محاكم التفتيش وحرق العلماء، لكنه يرميها ببساطة على البشر الذين لم يفهموا الكتاب المقدس بشكل سليم وينزه المسيحية عنها، حيث أنها نفضت عنها تلك التفاسير والتصرفات الخاطئة وأظهرت وجهها الوضاء الذي عم العالم فانتشرت تحمل الخلاص للبشر المعذبين التائقين للنور على أنغام القيثارة وزقزقة العصافير ......
ويتصور لسذاجته الشديدة أن القسس والرهبان والأحبار ناموا ذات يوم بعد صلاة روحية صادقة واستفاقوا في الصباح التالي وفتحوا كتبهم المقدسة وأمعنوا فيها النظر فاستنتجوا أن أسلافهم كانوا على خطأ بتعصبهم الماضي وتمسكهم بالسلطة وأن "المسيحية الصحيحة" لا تقول بحرق المهرطقين والتنكيل بالساحرات وإجبار الناس على تغيير دينها وتجييش الحملات الصليبية وتحريم الكتب العلمية.
ولكن كل من يعرف أي شيء عن تاريخ أوروبا والغرب يعرف أن معركة العقل والتنوير مع المسيحية امتدت مئات السنوات ولم تنته عملياً بشكل نهائي إلا في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين (أرجو ان يكون نهائي حقيقة، فالردة الحضارية الإسلامية يمكن أن تتكرر مثيلتها في الغرب مع المسيحية وعندها اقرأ على البشرية السلام).
معركة امتدت مئات السنوات سالت الدماء والدموع فيها أنهاراً، حاربت المسيحية فيها بالأنياب والنواجذ دفاعاً عن الخرافة والجهل والتعصب ولم تترك فيها خندقاً إلا بعد أن تقطعت بها السبل، وعندما تمت هزيمتها والإجهاز عليها كقوة سياسية بشكل نهائي على يد العقل والعلمانية والتنوير اكتشفت فجأة أنها ديانة متسامحة علمانية وأن الصراع كان سوء تفاهم بسيط لم يكن له داع أصلاً ........
وطريق الإصلاح الوعر هذا لم يكن دون نكسات وردات وكر وفر وحقب يقوى فيها التنوير والعقل وأخرى ترتد بها الخرافة والجهل إلى الواجهة، كما يحصل الآن مع الإسلام بالضبط، ومن يتصور أن التاريخ توقف في نهايات القرن لعشرين وبدايات الواحد والعشرين وأن حالة الإسلام الحالية هي قدر لا فكاك منه عليه فقط أن يقرأ الاقتنباس التالي لفولتير ويتصور نفسه مكانه وفي وقته يخضع لاضهاد رجال الدين:
“Christianity is the most ridiculous, the most absurd, and bloody religion that has ever infected the world”
"المسيحية هي أتفه وأسخف وأكثر دين دموي ابتلي به العالم على الإطلاق"
ولا يزال الوحش المسيحي الجريح الذي يلعق جراحه الآن ويلملم قواه الآن بعد الضربات التي أثخنته، لا يزال يطل بوجهه المخيف - المغطى بالمساحيق التجميلية - يحارب العلم والعقل حيث استطاع، فمن نشر خرافات الخلق والتصميم الذكي ومحاربة علم التطور، إلى الوقوف في وجه الأبحاث العلمية على الخلايا الجذعية إلى محاربة حق الإجهاض وحق إنهاء الحياة اختيارياً وغيرها.
لا يترك فرصة تفوته ينتقم بها من العقل إلا وانتهزها، لكنه حتى الآن مروض بالعلمانية، لنأمل ان يظل الأمر كذلك.
إصلاح المسيحية كان بإضعافها، من قبل العلمانية في الغرب ومن قبل الإسلام في الشرق، وإصلاح الإسلام سيتبع المسار نفسه، هكذا بكل بساطة.
مضى الآن على المشروع الإصلاحي الإسلامي حوالي 150 عاماً "فقط"، آه كم كنت أتمنى لو كانت كافية كي نتعلم، آه كم كنت أتمنى ألا نعيد نفس طريق الدم والدموع المسيحي، أه كم أتمنى الآن لو يمتد بي العمر لأرى زخم المد الإصلاحي العلماني يعود من جديد، لكني واثق من عودته فالتاريخ لم ولن ينته ويوم القيامة لن يأت ابداً.
باختصار: أروني شيوخاً لا سلطة لهم أريكم إسلاماً "حضارياً" مثل المسيحية وحبة مسك.
5 - المحاكمة التاريخية للدينين تميل لصالح الإسلام لا المسيحية. مسيحيو الشرق أنفسهم شاهد على ذلك.
من أكثر الأمر إثارة للغيظ بالنسبة لي الكلام الببغائي عن العلماء "المسلمين" مثل ابن سينا والرازي وغيرهما الذي تبارى فقهاء عصرهم في تكفيرهم ويستعلمهم دجالو وكذابو اليوم في إثبات عظمة الإسلام عبرالحضارة التي بناها !!!!!!
نفس المنطق المعوج المنافق يستخدمه الكهنة المتمسحين اليوم في تجيير تسامح العلمانية – التي حاربوها حتى الرمق الأخير في وقتها - وقبولها للآخر المختلف، تجيير هذا التسامح بكل صفاقة إلى الديانة المسيحية!!!!، ينسى هؤلاء المنافقون أن أوروربا الغربية كان عدد المسلمين فيها يساوي الصفر عملياً قبل أواسط القرن العشرين !! ينسى هؤلاء الكذابون (ليسوا جميعهم كذابون حقيقة بل يوجد قسم منهم جهلة، مثل المسلمين الذين يتغنون باليوتوبيا الإسلامية الوهمية) أن مسيحيو اسبانيا المتسامحين قتلوا وهجروا كل من هو غير كاثوليكي من الأندلس.
وجود مسيحيي الشرق بحد ذاته هو أنصع شهادة للإسلام على المسيحية بكل بساطة بغض النظر عن نصوص أي كتاب مقدس، لا أقول هذا مثل بسطاء وجهلة المسلمين الذين يتصورون أن حياة مسيحيي الشرق كانت لبناً وعسلاً تحت حكم الإسلام العادل، بكل تأكيد لا، كانو يخضعون للجزية والتمييز والإجحاف والاضطهاد وتقلبات مزاج الحكام واستعلاء الأغلبية عليهم، نعم ولكنهم ظلوا موجودين بعكس مسلمي أوروبا الذين أبيدوا وهجروا بالكامل. بل كان الشرق الإسلامي "الهمجي" ملاذاً لليهود المضطهدين في أوروبا المسيحية المتسامحة !!!!!
عندما يأتي متمسح اليوم ويقارن بكل صفاقة مساجد أوروبا التي تتكاثر كالفطر مع كنائس الشرق التي تتعرض للحصار فهو لا يقارن بين المسيحية والإسلام، بل يقارن بين العلمانية والإسلام وشتان بين المسيحية والعلمانية.
تريد مقارنة المسيحية مع الإسلام يا شاطر ؟ اذهب إلى صربيا في التسعينات وأخبرني عن حرية بناء المساجد هناك عند سلوبودان ميلوسيفيتش وراتكو ملاديتش ورادوفان كارادزيتش، أكثر من مرة رأيت صور الأخير يقبل الصليب بخشوع ...........
6 - أين الخد الأيسر ؟
كنت أتصور – ولعلي مخطئاً – أن يسوع القدوس تكلم عن حب الأعداء ومباركة اللاعنين، تكلم عن إدارة الخد الأيسر والسير ميلين عوضاً عن الميل ؟ غريب، أين هذا من المتمسح الشتام المقذع ؟
ألم يبارك المسيحيون ويغفرون لمن رماهم للأسود وسامهم سوء العذاب ؟
ألم تنتشر الديانة المسيحية عندما رأى الناس عظمة المسيحيين الأخلاقية فاتبعوهم ؟؟ (هكذا يتصور بسطائهم، كما يتصور بسطاء المسلمين أن الإسلام انتشر بالدعوة والموعظة الحسنة !!!)
أم أن كل هذا كلام فارغ وتفاهة وترهات يرددونها كالببغاءات في الكنائس ثم يرمونها وراء ظهورهم وهم يشحذون ألسنتهم وينقبون في قواميس اللغة العربية عن أكثر الألفاظ حطاً وتحقيراً للمسلم المسكين الذين يريدون له الخير ويرغبون في تخليص روحه المعذبة من الجحيم بتسليمها ليسوع ؟
غريب فعلاً.
ثانياً: الرد من الناحية العملية:
بعد أن خصصت البنود السابقة لبيان الثغرات المنهجية في الخطاب المتمسح، أريد الآن مناقشة ما هو أهم بكثير، الكوارث التي ستترتب عملياً على الاستمرار فيه:
1 – خطأ الانجرار إلى لعبة خاسرة - وإن ربحت - يحدد قواعدها المتأسلم.
دعني أعطي تشبيه لإيصال الفكرة، أنت شخص عادي تمشي وحدك مع وزوجتك الجميلة في حي غريب لا تعرف فيه أحداً، رأيت عصابة من عشرات الشبان المتسكعين الأوباش تقترب منكما وتلقي التعليقات الجارحة وترمقكما بنظرات شهوانية، ماذا تفعل ؟ هل تشتمهم وتتحداهم أم هل تحاول الخروج بأقصى سرعة من الحي والابتعاد عنهم بأقل قدر ممكن من الخسائر ؟
هل وصلت الفكرة ؟ أحياناً لا يكون الخيار بين الجيد والسيء، في الكثير من مواقف الحياة يكون الخيار هو بين السيء والأسوأ !!
أنا أدين بشكل مطلق وبلا تحفظ كل متأسلم طائفي حقود يهاجم العقيدة المسيحية ومسيحيي الشرق، خصوصاً أنه يمارس هذا السلوك المنحط المخجل على طائفة صغيرة من أبناء وطنه لا تملك حرية الرد عليه نظراً لتحيز الأغلبية والدولة ضدها. واستعراض العضلات على من لا يستطيع الرد هو أول صفات الجبان.
ولكن هل يكون جواب المسيحي من نوع العمل ؟ هل يصفع أحد هؤلاء الشبان الأوباش كما في المثال أو يشتم أمه وأخته ويرضي غروره الذكوري ويخاطر بمقتله واغتصاب زوجته ؟ أم لعله من الأفضل أن يذهب إلى مختار الحي ووجهائه ويحاول إثارة نخوتهم علهم يلجمون هؤلاء الرعاع ويوقفونهم عند حدهم ؟ أي يذهب إلى حكومته وعقلاء شعبه ويطالبهم بحمايته وتطبيق العلمانية الصحيحة ؟
اخوتي وأبناء وطني وأهلي المسيحيين، إذ تمسحتم ورددتم على المتأسلم الطائفي بطريقته تكونون قد وقعتم في فخ أعده لكم بعناية شديدة، أنتم تلعبون في ملعبه وبين أرضه وجمهوره وترقصون على أنغامه وتنجرون إلى معركة بسلاح اختاره هو لكم وأنتم الخاسرون فيها حتماً وإن تصورتم أنكم ربحتم و"فشيتم خلقكم" بشتمهم كما يشتمونكم.
ألا تكررون أخطاء الفلسطينيين عندما تجرهم الاستفزازات الإسرائيلية إلى الرد العسكري العاطفي بينما هم لا يمكنهم تحمل تبعات هذا الرد ولا يملكون أسلحة ووسائل يواجهون بها الجبروت الإسرائيلي ؟
إذا فجر فلسطيني نفسه في مطعم من شدة القهر وقتل شخص أو اثنين ترد اسرائيل بقصف غزة بالطائرات وحصارها وتجويعها وترويعها وقتل مائة مقابلهم وتحويل حياة البقية إلى جحيم بأكثر مما هي جحيم فعلاً.
وإذا شتم مسيحي محمد والإسلام يرد غوغاء ورعاع المسلمين بمهاجمة الكنائس وحرقها وافتعال الفتن الطائفية.
مرة ثانية هل وصلت الفكرة ؟
2 - حرية الكلام مقدسة لكن ماذا عن حكمة الكلام ؟
وماذا عن الحرية ؟ هه ؟ ألا تنادي أيها الملحد المنافق بالحرية وتطبل وتزمر لها دوماً وتتباكى على فقدها ؟
لماذا تريد الحجر على حرية المسيحيين في الرد ؟ أم أنك مسلم سلفي متعصب تتخفى وراء الإلحاد ؟
ألا تنكر علينا ما تفعله أنت بالضبط من انتقاد الدين ؟
سمعت هذه الردود شخصياً من أكثر من متمسح حاولت أو أوصل إليهم كلامياً ما أطرحه في هذه المقالة،
لا يا قوم، لست سلفياً ولا أختفي وراء شيء، وأزيدكم سروراً بأني لا أرتاح أيضاً للمراهقات الفكرية الإلحادية التي يتصور فيها البعض أن التحرر من الدين لا يكتمل إلا بالشتم والإقذاع.
ولكن هناك فرق جوهري وهي أن نقدنا نحن للدين (وأقصد بنحن الملحدين من أصل إسلامي)، بل وحتى شتم مراهقينا الفكريين (مثل وفاء سلطان) لا يحمل صبغة طائفية ولا يتحمل تبعاته إلا نحن أنفسنا، ليس لنا كنائس لتحرق وأهلنا مسلمون ولن يهجروا ويضيق عليهم ويمكن فقط اتهام أشخاصنا دون أهلنا بالعمالة للموساد وال CIA ومجلس الكنائس العالمي والماسونية إلى آخر قائمة التفاهات التي يرميها المتأسلمون علينا.
لا أريد الحجر على حريتكم في انتقاد الإسلام إلا كما أريد الحجر على حرية ابني إذا أراد انتقاد الحكومة في بلد ديكتاتوري بالوقوف في ساحة عامة وشتم الرئيس علناً أمام الناس، هو حر، أليس كذلك ؟ نعم حر ولكنه انتحاري، وكذلك أنتم.
باختصار نحن منهم وفيهم في النهاية وهذا ما يقودني إلى النقطة التالية:
3 - لا يمكن أن يصلح المسيحيون حال الإسلام كما لا يمكن أن يصلح المسلمون حال المسيحية.
هذا البند هو الامتداد العملي للفقرة السابقة التي يبنت فيها سهولة الرد الإسلامي بالهجوم المعاكس.
يولد النقد الخارجي لأي انسان فوراً رد فعل دفاعي تلقائي غير عقلاني حتى لو كان هذا النقد صحيحاً، لنفرض أن جارك يقول أن ابنك لص يسرق وإفسادك له هو سبب تصرفاته، ماذا سيكون رد فعلك حتى لو كانت لديك علامات استفهام وغير راضٍ عن تصرفات ابنك ؟ حتى لو برهن جارك على ما يقول، بأمانة، هل ستحبه؟
ولكن لو أتت زوجتك أو أخيك وقالا لك ذلك، ألا تسمع منهما أكثر ؟ أليسا في موقع أفضل لتقديم النصح ؟ موقع شبهة التحيز فيه أقل بكثير؟ موقع لا يشك فيه متلقي النقد برغبة الآخر في التشفي بل يعتقد أنه فعلاً يرغب في إصلاح الحال ؟
يجب أن يعرف المسيحي أنه في هذا الموضع بالضبط، هو الجار وخارج العائلة، والإنسان في النهاية ليس عقلاً فقط، بل هو عقل وعاطفة وكما يجب أن تتحلى بأقصى أنواع الحذر عند انتقاد ابن أو زوجة جارك (إذا كان تهمك علاقتك بجارك طبعا، والمسيحيون الشرقيون يهمهم قطعاً علاقتهم بالمسلمين)، يجب عليك كمسيحي توخي نفس الحذر بل وأكثر عند تناولك للإسلام.
لاحظوا بالمناسبة أن مسيحيي الغرب لا ينطبق عليهم ذلك، فالإنجيليين الأمريكيين يسرحون ويمرحون في النصوص القرآنية والأحاديث وقصص مفاخذة عائشة واغتصابها بلا خوف ولا وجل، ولكن مسيحيي أمريكا لا يهمهم إصلاح حال المسلمين أو بلاد الشرق إطلاقاً، هم يسعون للسخرية من المسلمين وبيان تخلفهم وهمجيتهم فقط، ولا يضيرهم في سبيل تلك المتعة الرخيصة أن يضحى برقاب مسيحيي الشرق. هم الجار القوي الذي لا تهمه علاقته بجاره وتسمح له قوته بقول ما يشاء عنه وعن عائلته.
أنتم - وأهلكم لو كنتم مهاجرين - من سيعيش بين المسلمين، وأنتم من يلزمه حالياً حسن نية المسلمين، ولكنكم لستم مع الأسف في موقع يمكنكم فيه انتقاد الإسلام، اتركوا ذلك لمصلحيه.
ستقولون أنهم مقصرون ولا يفعلون الكفاية ؟ صحيح صحيح صحيح، وأنا أعتذر باسمي وباسم كل علماني مسلم يوافقني في الرأي عن تصرفات طائفيي ورعاع المسلمين بحق معتنقي كل الأديان الأخرى وليس المسيحية فقط، لكننا نعيش في زمن سيء مع الأسف فالمسلم السني يقتل المسلم الشيعي وبالعكس فما بالك بمعتنقي الأديان الأخرى ؟
في النهاية أريد أن أختم مقالي ببعض الأفكار والنصائح أرجو أن يفكر كل مسيحي سوري أولا وعربي ثانياً بها، أفكار يزعم صاحبها أنه تحرر من إيديولوجيا الإسلام بحيث يستطيع الوقوف على الحياد والنظر إلى الجانبين ورؤية طرفي القضية.
أفكار يخاف عليكم صاحبها كما تخافون على أنفسكم، ليس لأني ملاك من السماء وأحبكم قبل نفسي، لا، بل لأني كعلماني وملحد أقلية، وأنتم كمسيحيين أقلية، وما يضير أي أقلية أخرى يضيرني، وكلما نقص تنوع المجتمع وقل عدد الأقليات كلما زادت فاشيته وتعصبه وانغلاقه على نفسه.
دعوني أقول لكم أنه كما المسلم يحتاج للعلمانية كي يعيش في الغرب أنتم بحاجة للعلمانية كي تعيشون في الشرق، هو يستطيع الاستغناء عن العلمانية في الشرق، أنتم لا تستطيعون، احصروا نضالكم ومطالبكم فيها ولا تدخلوا معارك جانبية الربح فيها هو بحد ذاته خسارة.
لا تقلدوا انجيليي الولايات المتحدة وبعض مسيحيي المهجر الآمنين وراء البحار، هم سيتاجرون بكم ثم لن ينفعوكم عندما تقع الواقعة بل سيذرفون عليكم دموع التماسيح ويتركونكم لمصيركم، هم يستخدمونكم كقميص عثمان للتباكي ولبيان وحشية العدو الإسلامي الوهمي الذي يريدون خلقه ليحل محل العدو الشيوعي كي يستمروا في تجييش الجيوش وصناعة الأسلحة، هم لديهم من القوة ما يسمح لهم بذلك، أنتم لا.
لا تتبنوا وتقبلوا وترددوا كالببغاءات الخطاب الإسلامي السلفي أن الإسلام هو دين ودولة، هذا الخطاب أولاً غير صحيح وثانياً يدعو إلى اليأس المطلق وثالثاً كان القساوسة يرددونه في أوروبا عن المسيحية وقد تبين خطأه هناك وسيتيبن خطأه هنا. مقتلكم في هذا الخطاب، حاربوه بكل قواكم عوضاً عن تأكيده بمناسبة وغير مناسبة. إذا كان هذا الخطاب صحيحاً فالأجدر بكم أن تحزموا حقائبكم إلى المهجر من الآن وأنا وكل علماني مسلم سنسبقكم.
أنتم ضعفاء وستظلون ضعفاء إلى أن يصبح في بلادنا دستور علماني صارم يحمي الجميع كما في الغرب، والضعيف عليه التمسك بالأرضية الأخلاقية العليا فهي أثمن ما يملك وهي من يجلب له تعاطف كل منصف، لا تدعوا رعاعكم وأرذالكم يسلبونكم إياها.
ابتعدوا عن انتقاد ما لا يمسكم في الإسلام، إذا اضطهد المسلم امرأته فهذه مشكلة امرأته ومشكلته وليست مشكلتكم، وإذا تزوج المسلم أربعة أو عشرة فهذا لا يمس نساؤكم، وإذا تزوج النبي محمد زوجة ابنه بالتبني فهذا ليس من اختصاصكم طالما لا أحد يلاحق زوجات أبناءكم.
إذا أردتم أن تناقشوا فناقشوا الجزية، ناقشوا الردة، ناقشوا حقوق الولاية لغير المسلم، ناقشوا إجبار غير المسلمة على التحجب، ناقشوا أنظمة بناء كنائسكم واتركوا إصلاح البيت الداخلي لأهله.
إياكم ثم إياكم من التعميم واستعمال كلمات مثل "العقل المسلم" و"النفسية الإسلامية" و"التخلف الإسلامي"، لا يوجد شيء اسمه عقل مسلم ونفسية إسلامية ، يوجد مليار مسلم كل واحد منهم فرد له عقله ونفسيته، استعمال مثل هذه التعابير يفقدكم أي نوع من أنواع التعاطف من أي مسلم مهما كان علمانياً ومتحرراً أو حتى ملحداً مثلي.
لن تنجحوا في إقناع المسلمين المقتنعين بترك دينهم بهذه الطريقة (أو بأي طريقة حقيقة)، الغشاوة التي يضعها الدين على عقولكم فقط هي من يهيء لكم إمكانية ذلك نظراً لاعتقادكم أن دينكم منطقي ودينهم ليس كذلك، حتى لو نجحتم مع أفراد قلائل فلن يقدموا أو يؤخروا.
هدفكم هو اجتذاب المسلم المعتدل لا تنفيره، مهمتكم هي زيادة عدد المسلمين المتعاطفين مع قضاياكم وهم كثر وللأسف كانوا أكثر، مهمتكم هي التركيز على الآيات الإيجابية في القرآن التي تدعو للتسامح وقبول الآخر، لا تذكير المسلم بالناسخ والمنسوخ إذا كان قد نسيهما ولفت نظره إلى آيات السيف إذا كان لا يعرفها.
أافهم رد فعلكم العاطفي، أفهم الألم الذي يدعوكم إلى الرد على الطائفي المسلم بطريقته وتجريعه نفس الشراب المر الذي يذيقككم إياه، لكني لا أستطيع تبريره،
لعل الإيجابي الوحيد في خطابكم هو فتح ذهن المتأسلم إلى أن من يطرق الباب ويبدأ في انتقاد عقائد الغير عليه سماع الجواب وتحمل نتائج انتقاد الناس لعقائده، لكني أخاف عليكم من حرب طائفية غير متكافئة يخسر بها الكل، الوطن والمسلم والمسيحي، لكنكم ستكونون الخاسر الأكبر.
أنا ملحد من ناحية الإيمان، لكني مسلم من ناحية الانتماء، أهلي مسلمون والكثير من أصدقائي مسلمون وغالبية سكان بلدي الأول سوريا مسلمون، أتكلم لغتهم وأفرح لفرحهم وأتألم لألمهم، أهنئهم بولاداتهم وأفراحههم وأعزيهم بوفياتهم وأتراحهم، باختصار هم - مع جميع السوريين من الطوائف الأخرى – أهلي، والإنسان لا ينكر أصله وأهله.
لا أحد يكره الإسلام السياسي كما أكرهه، ولا يوجد من يعارض تطبيق الشريعة كما أعارض وليس هناك من ينفر من السلفية ومظاهرها كما أنفر، ولا أحد يستطيع المزاودة علي في العلمانية والحرية وضرورتهما.
- فلئن اشتكى المسيحي من رغبة المتأسلمين بفرض الجزية عليه أقول له أنت محظوظ، هم لا يرغبون إلا بفضل رأسي عن جسدي.
- وإن تأفف من إجياره على تحجيب زوجته أقول له اضحك في سرك، هم لا يرضون بأقل من تفريقي عن زوجتي.
- وإن تبرم من عدم السماح له بإشهار شعائر دينه أحسده في سري، على الأقل هم لن يجبرونه على أداء شعائر دينهم.
ذكرت هذه المقدمة فقط لأبين للمسيحيين جميعاً من أنا وكيف أفكر، أنا ملحد لا أؤمن بأي غيبيات أو آلهة من أي نوع، ولكني أؤيد حق أي انسان أن يعتقد ما يشاء طالما لم يفرض اعتقاده على الآخرين، وبناء على هذا الموقف لن أتردد في دعم أي مطلب مسيحي مشروع دعما مطلقاً:
- فإن طالب بإالغاء تحديد دين رئيس الجمهورية في الدستور فأنا معه.
- وإن طالب بعدم صرف أموال الضرائب التي يساهم فيها على وزارة الأوقاف التي لا يستفيد منها فهذا حق لا شك فيه.
- وإن طالب بعدم فرض قوانين الإرث الإسلامية عليه فهذا مشروع.
- وإن طالب بوقت على إذاعات الدولة السورية يخصص لنشر الدين المسيحي مناسب لما يقدم للدين الإسلامي فأنا معه طالما أن ضرائبه تمول هذا التلفزيون (مع أني أؤيد إلغاء الدعوة لأي دين على إذاعة الدولة).
وهكذا .....
ولكني سأخصص هذا المقال لظاهرة غريبة وخطيرة بدأت تتنامى مؤخراً خصوصاً على الإنترنت التي تقدم منبراً حراً بشكل مطلق بإمكان كل إنسان أن يقول فيه ما يريد، هذه الظاهرة هي تحول البعض (وأرجو بشدة أن يكون هذا البعض قليلاً) من المسيحيين الشرقيين إلى مهاجمة الإسلام كعقيدة والنبي محمد كشخصية وإطلاق كافة الشتائم والنعوت القبيحة بحقهما وحق كل من يتبعهما مما يخطر ولا يخطر على البال.
وتحول بعضهم إلى "باحثين تاريخيين"، ينقبون الكتب الإسلامية الصفراء بحثاً عن كل ما ينتقص من محمد وصحابته كي يشبعوا أي مسلم يقرأ لهم أو يسمعهم هزؤاً وسخرية من معتقداته وكتبه ودينه.
بل وذهب الأمر بالسخف إلى أبعد من ذلك، إذ بدأ بعض العباقرة منهم في الحديث عن "الاحتلال الإسلامي - العربي" لمصر أولا ومؤخراً لسوريا أيضاً، وكأن مسلمو مصر وسوريا غزاة جاؤوا من الجزيرة العربية وليسوا من السكان الأصليين الذين قرر أحد أسلافهم اعتناق الإسلام في مرحلة ما ربما تخلصاً من الجزية أو طاعة لشيخ قبيلته أو إكراها بحد السيف، مثله تماماً مثل سلف سابق قرر قراراً مشابهاً ولنفس الأسباب قبله ببضع مئات من السنين بالتحول من الوثنية إلى المسيحية .......
هل تظن عزيزي القارئ أن هذا أسوأ ما يقال ؟ كلا للأسف، سمعتهم أكثر من مرة يردون على كل مسلم معتدل يقول لهم أن الإسلام يحترم بقية الأديان السماوية – مع تحفظي الشخصي على كلمة السماوية - وبأنه ضد الجزية والتمييز وأنه مع مبدأ المواطنة، يردون عليه بأنه جاهل لا يعرف دينه ولو عرفه لأصبح إرهابياً مجرماً مثل بقية "الهمج الغزاة" ...........
ونظراً لكوني في النهاية واحداً من هؤلاء "الغزاة الهمج" انتماءً، أريد في هذ المقال الرد على طروحات هؤلاء "الباحثين العلميين" بطريقة منهجية، وسأقسم ردي إلى قسمين، رد على منطقية الطروحات و"الأبحاث التاريخية" ورد من الناحية العملية على جدوى هذه الطروحات و"الأبحاث" من الأساس.
أولاً: الرد من الناحية المنطقية:
1 – إنكار المسيحي على المسلم استعمال نفس الآليات "العقلية" و"المنطقية" التي جعلته يتصور أن المسيحية هي دين متسامح:
يصول الجهبذ المتمسح – على وزن متأسلم إن صح التعبير - ويجول في النصوص القرآنية وكتب الأحاديث والسيرة مقتطعاً منها الاقتباسات المطولة التي تتحدث عن الحرب والدماء، ورضاع الكبير والشجاع الأقرع والتبرك ببول الرسول قافزاً بثقة من ذلك إلى الاستنتاج باستحالة إصلاح الإسلام تماماً نظراً لأنه لا يمكن أن يؤمن إنسان بعصمة هذه النصوص ويكون بشراً سوياً في وقت واحد، أليس هذا واضحاً لكل ذي عين ؟
لكن ..
هل قرأ المسيحي العهد القديم يا ترى ؟ ألا يعرف أن ما فيه من الدماء والقتل والخرافات لا يقل، إن لم يكن يزيد عما في القرآن من ذلك ؟ ألا يعرف أن كل ما يعيبه في الإسلام موجود في كتابه المقدس وزيادة ؟
سأسأل أسئلة لا جواب عليها إلا بنعم أو لا:
- هل العهد القديم جزء من الكتاب المقدس نعم أم لا ؟
- هل إله العهد القديم المتوحش هو إله آخر غير يسوع الحمل الوديع نعم أم لا ؟
- أم هل تغيرت شخصيته عندما نضج نعم أم لا ؟
- أم هل اكتشف أن طريقة العهد القديم في التعامل مع الناس فاشلة ولذلك غير من مقاربته عل الطريقة الجديدة تنجح ؟
وحتى إذا فرضت بسحر ساحر اني أستطيع تجاهل العهد القديم والتركيز على العهد الجديد الإيجابي، لماذا أتمسك بالوصايا العشر ؟ والمزامير ؟ ونشيد الإنشاد ؟ وغيرها ؟ أليسوا جميعاً من الكتاب القديم "المنسوخ" ؟ وإذا تجاهلتها أيضاً هل أبقى مسيحي أم أن لدي ديانة خاصة لا يشاركني بها أحد ؟
أطلب من كل من "باحث" من هذا النوع ان ينظر إلى المرآة مطولاً ويسأل نفسه:
"يا هل ترى ما هي الآلية العقلية والمنطقية التي اعتمدتها في تجاهل كل ما هو مخزي في الكتاب المقدس وتصديق كل ما هو جميل" ؟؟؟
وبعد أن يجيب يسأل نفسه ثانية:
"ألا يمكن أن يستعمل المسلم نفس الآلية يا ترى" ؟؟
2 – تسهيل الرد على المسلمين بالهجوم المعاكس:
سمعتها وقرأتها عشرات المرات، أسهل طريقة للدفاع هي الهجوم، فعوضاً من أن يدافع المسلم عن نصوصه الخرافية والمتناقضة والدموية ويعيد النظر بصحتها يلجأ إلى الطريق الأسهل: مهاجمة مقابلات هذه النصوص في الكتاب المقدس ثم الضحك على تناقض المسيحي الذي يعيب على المسلم ما ابتلي به هو شخصياً.
وكلام المسلم سليم، والطريف أن كلام المسيحي سليم أيضاً، فكلا الكتابين (القرآن والكتاب المقدس) حافلين بما لذ وطاب من الخرافة والتناقض والدموية مما يجعل من السهولة بمكان لأي شخص أن يسرح ويمرح بهما كما يشاء بدون جهد يذكر، ولكن العمى الإيديولوجي الذي يضرب بصيرة المتدين فيحجب عنه تناقضات وخرافات دينه بينما يترك له "العقل" و"التفكير" ليتمعن في الأديان الأخرى بتجرد يجعله يتصور أنه أتى بما لم يأت به الأولون حين يقرأ عن دين الآخرين ويكتشف عيوبه ويتعجب من "صغر عقولهم" عندما يصدقون تلك الخرافات المضحكة !!
3 – تناسي أن الإسلام قطع شوطاً بعيداً في الإصلاح فعلاً قبل الردة الحضارية بعد هزيمة المشروع العربي:
على كل من يتصور استحالة إصلاح الإسلام أن يخرج إلى السوق ويشتري فيديو عن حفلة لأم كلثوم أو عبد الحليم حافظ، ويبحث فيهما عن أي أثر للحجاب بين الجمهور، وإذا وجده فليخبرني، وهنا لدينا تفسيرين:
أ – أن كل حضور تلك الحفلات كانوا من المسيحيين "المتحضرين"، ولكن مهلاً، فعبد الحليم وأم كلثوم هما نفسهما من "الهمج" ....
ب – أن الأمور لم تكن وقتها كما هي الآن.
كل من تجاوز الأربعين عاماً رأي بعينه التحول التدريجي نحو التشدد والخبل الديني الإسلامي المتدروش، ويعرف بالضبط ان إسلام الخمسينات والستينات بل والسبعينات وأوائل الثمانينات كان مدجناً، وديعاً وحضارياً مثل المسيحية الآن بالضبط.
هل كان يجرؤ وقتها شيخ على التكفير بسبب وبلا سبب ؟ والإفتاء ببول البعير وأفضلية النقاب على الحجاب ؟
لماذا لم يكن وقتها يوجد من يتكلم بالجزية والجهاد والتمترس ودار الإسلام والحرب ؟ كيف سمحت تعاليم الإسلام "الدموية المتحجرة" للنساء أن يتحررن وقتها من الحجاب ؟ كيف يا ترى ؟
كيف سمح المسلمون المتعصبون الهمج لفارس الخوري ونايف حواتمة وجورج حبش بتبوء أعلى المناصب ؟
أين كانت المصارف الإسلامية والطب النبوي والملابس الإسلامية والجوامع المكتظة ومشايخ البزنس وزواج المسفار والمسيار ؟
وهذا كله يقودني إلى الفقرة التالية:
4 - تناسي كم استغرق إصلاح المسيحية:
يعترف الجهبذ المتمسح بوقوع أخطاء في التاريخ المسيحي – وهذه نقطة لصالحه -، فلم أسمع أحدا منهم يدافع عن محاكم التفتيش وحرق العلماء، لكنه يرميها ببساطة على البشر الذين لم يفهموا الكتاب المقدس بشكل سليم وينزه المسيحية عنها، حيث أنها نفضت عنها تلك التفاسير والتصرفات الخاطئة وأظهرت وجهها الوضاء الذي عم العالم فانتشرت تحمل الخلاص للبشر المعذبين التائقين للنور على أنغام القيثارة وزقزقة العصافير ......
ويتصور لسذاجته الشديدة أن القسس والرهبان والأحبار ناموا ذات يوم بعد صلاة روحية صادقة واستفاقوا في الصباح التالي وفتحوا كتبهم المقدسة وأمعنوا فيها النظر فاستنتجوا أن أسلافهم كانوا على خطأ بتعصبهم الماضي وتمسكهم بالسلطة وأن "المسيحية الصحيحة" لا تقول بحرق المهرطقين والتنكيل بالساحرات وإجبار الناس على تغيير دينها وتجييش الحملات الصليبية وتحريم الكتب العلمية.
ولكن كل من يعرف أي شيء عن تاريخ أوروبا والغرب يعرف أن معركة العقل والتنوير مع المسيحية امتدت مئات السنوات ولم تنته عملياً بشكل نهائي إلا في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين (أرجو ان يكون نهائي حقيقة، فالردة الحضارية الإسلامية يمكن أن تتكرر مثيلتها في الغرب مع المسيحية وعندها اقرأ على البشرية السلام).
معركة امتدت مئات السنوات سالت الدماء والدموع فيها أنهاراً، حاربت المسيحية فيها بالأنياب والنواجذ دفاعاً عن الخرافة والجهل والتعصب ولم تترك فيها خندقاً إلا بعد أن تقطعت بها السبل، وعندما تمت هزيمتها والإجهاز عليها كقوة سياسية بشكل نهائي على يد العقل والعلمانية والتنوير اكتشفت فجأة أنها ديانة متسامحة علمانية وأن الصراع كان سوء تفاهم بسيط لم يكن له داع أصلاً ........
وطريق الإصلاح الوعر هذا لم يكن دون نكسات وردات وكر وفر وحقب يقوى فيها التنوير والعقل وأخرى ترتد بها الخرافة والجهل إلى الواجهة، كما يحصل الآن مع الإسلام بالضبط، ومن يتصور أن التاريخ توقف في نهايات القرن لعشرين وبدايات الواحد والعشرين وأن حالة الإسلام الحالية هي قدر لا فكاك منه عليه فقط أن يقرأ الاقتنباس التالي لفولتير ويتصور نفسه مكانه وفي وقته يخضع لاضهاد رجال الدين:
“Christianity is the most ridiculous, the most absurd, and bloody religion that has ever infected the world”
"المسيحية هي أتفه وأسخف وأكثر دين دموي ابتلي به العالم على الإطلاق"
ولا يزال الوحش المسيحي الجريح الذي يلعق جراحه الآن ويلملم قواه الآن بعد الضربات التي أثخنته، لا يزال يطل بوجهه المخيف - المغطى بالمساحيق التجميلية - يحارب العلم والعقل حيث استطاع، فمن نشر خرافات الخلق والتصميم الذكي ومحاربة علم التطور، إلى الوقوف في وجه الأبحاث العلمية على الخلايا الجذعية إلى محاربة حق الإجهاض وحق إنهاء الحياة اختيارياً وغيرها.
لا يترك فرصة تفوته ينتقم بها من العقل إلا وانتهزها، لكنه حتى الآن مروض بالعلمانية، لنأمل ان يظل الأمر كذلك.
إصلاح المسيحية كان بإضعافها، من قبل العلمانية في الغرب ومن قبل الإسلام في الشرق، وإصلاح الإسلام سيتبع المسار نفسه، هكذا بكل بساطة.
مضى الآن على المشروع الإصلاحي الإسلامي حوالي 150 عاماً "فقط"، آه كم كنت أتمنى لو كانت كافية كي نتعلم، آه كم كنت أتمنى ألا نعيد نفس طريق الدم والدموع المسيحي، أه كم أتمنى الآن لو يمتد بي العمر لأرى زخم المد الإصلاحي العلماني يعود من جديد، لكني واثق من عودته فالتاريخ لم ولن ينته ويوم القيامة لن يأت ابداً.
باختصار: أروني شيوخاً لا سلطة لهم أريكم إسلاماً "حضارياً" مثل المسيحية وحبة مسك.
5 - المحاكمة التاريخية للدينين تميل لصالح الإسلام لا المسيحية. مسيحيو الشرق أنفسهم شاهد على ذلك.
من أكثر الأمر إثارة للغيظ بالنسبة لي الكلام الببغائي عن العلماء "المسلمين" مثل ابن سينا والرازي وغيرهما الذي تبارى فقهاء عصرهم في تكفيرهم ويستعلمهم دجالو وكذابو اليوم في إثبات عظمة الإسلام عبرالحضارة التي بناها !!!!!!
نفس المنطق المعوج المنافق يستخدمه الكهنة المتمسحين اليوم في تجيير تسامح العلمانية – التي حاربوها حتى الرمق الأخير في وقتها - وقبولها للآخر المختلف، تجيير هذا التسامح بكل صفاقة إلى الديانة المسيحية!!!!، ينسى هؤلاء المنافقون أن أوروربا الغربية كان عدد المسلمين فيها يساوي الصفر عملياً قبل أواسط القرن العشرين !! ينسى هؤلاء الكذابون (ليسوا جميعهم كذابون حقيقة بل يوجد قسم منهم جهلة، مثل المسلمين الذين يتغنون باليوتوبيا الإسلامية الوهمية) أن مسيحيو اسبانيا المتسامحين قتلوا وهجروا كل من هو غير كاثوليكي من الأندلس.
وجود مسيحيي الشرق بحد ذاته هو أنصع شهادة للإسلام على المسيحية بكل بساطة بغض النظر عن نصوص أي كتاب مقدس، لا أقول هذا مثل بسطاء وجهلة المسلمين الذين يتصورون أن حياة مسيحيي الشرق كانت لبناً وعسلاً تحت حكم الإسلام العادل، بكل تأكيد لا، كانو يخضعون للجزية والتمييز والإجحاف والاضطهاد وتقلبات مزاج الحكام واستعلاء الأغلبية عليهم، نعم ولكنهم ظلوا موجودين بعكس مسلمي أوروبا الذين أبيدوا وهجروا بالكامل. بل كان الشرق الإسلامي "الهمجي" ملاذاً لليهود المضطهدين في أوروبا المسيحية المتسامحة !!!!!
عندما يأتي متمسح اليوم ويقارن بكل صفاقة مساجد أوروبا التي تتكاثر كالفطر مع كنائس الشرق التي تتعرض للحصار فهو لا يقارن بين المسيحية والإسلام، بل يقارن بين العلمانية والإسلام وشتان بين المسيحية والعلمانية.
تريد مقارنة المسيحية مع الإسلام يا شاطر ؟ اذهب إلى صربيا في التسعينات وأخبرني عن حرية بناء المساجد هناك عند سلوبودان ميلوسيفيتش وراتكو ملاديتش ورادوفان كارادزيتش، أكثر من مرة رأيت صور الأخير يقبل الصليب بخشوع ...........
6 - أين الخد الأيسر ؟
كنت أتصور – ولعلي مخطئاً – أن يسوع القدوس تكلم عن حب الأعداء ومباركة اللاعنين، تكلم عن إدارة الخد الأيسر والسير ميلين عوضاً عن الميل ؟ غريب، أين هذا من المتمسح الشتام المقذع ؟
ألم يبارك المسيحيون ويغفرون لمن رماهم للأسود وسامهم سوء العذاب ؟
ألم تنتشر الديانة المسيحية عندما رأى الناس عظمة المسيحيين الأخلاقية فاتبعوهم ؟؟ (هكذا يتصور بسطائهم، كما يتصور بسطاء المسلمين أن الإسلام انتشر بالدعوة والموعظة الحسنة !!!)
أم أن كل هذا كلام فارغ وتفاهة وترهات يرددونها كالببغاءات في الكنائس ثم يرمونها وراء ظهورهم وهم يشحذون ألسنتهم وينقبون في قواميس اللغة العربية عن أكثر الألفاظ حطاً وتحقيراً للمسلم المسكين الذين يريدون له الخير ويرغبون في تخليص روحه المعذبة من الجحيم بتسليمها ليسوع ؟
غريب فعلاً.
ثانياً: الرد من الناحية العملية:
بعد أن خصصت البنود السابقة لبيان الثغرات المنهجية في الخطاب المتمسح، أريد الآن مناقشة ما هو أهم بكثير، الكوارث التي ستترتب عملياً على الاستمرار فيه:
1 – خطأ الانجرار إلى لعبة خاسرة - وإن ربحت - يحدد قواعدها المتأسلم.
دعني أعطي تشبيه لإيصال الفكرة، أنت شخص عادي تمشي وحدك مع وزوجتك الجميلة في حي غريب لا تعرف فيه أحداً، رأيت عصابة من عشرات الشبان المتسكعين الأوباش تقترب منكما وتلقي التعليقات الجارحة وترمقكما بنظرات شهوانية، ماذا تفعل ؟ هل تشتمهم وتتحداهم أم هل تحاول الخروج بأقصى سرعة من الحي والابتعاد عنهم بأقل قدر ممكن من الخسائر ؟
هل وصلت الفكرة ؟ أحياناً لا يكون الخيار بين الجيد والسيء، في الكثير من مواقف الحياة يكون الخيار هو بين السيء والأسوأ !!
أنا أدين بشكل مطلق وبلا تحفظ كل متأسلم طائفي حقود يهاجم العقيدة المسيحية ومسيحيي الشرق، خصوصاً أنه يمارس هذا السلوك المنحط المخجل على طائفة صغيرة من أبناء وطنه لا تملك حرية الرد عليه نظراً لتحيز الأغلبية والدولة ضدها. واستعراض العضلات على من لا يستطيع الرد هو أول صفات الجبان.
ولكن هل يكون جواب المسيحي من نوع العمل ؟ هل يصفع أحد هؤلاء الشبان الأوباش كما في المثال أو يشتم أمه وأخته ويرضي غروره الذكوري ويخاطر بمقتله واغتصاب زوجته ؟ أم لعله من الأفضل أن يذهب إلى مختار الحي ووجهائه ويحاول إثارة نخوتهم علهم يلجمون هؤلاء الرعاع ويوقفونهم عند حدهم ؟ أي يذهب إلى حكومته وعقلاء شعبه ويطالبهم بحمايته وتطبيق العلمانية الصحيحة ؟
اخوتي وأبناء وطني وأهلي المسيحيين، إذ تمسحتم ورددتم على المتأسلم الطائفي بطريقته تكونون قد وقعتم في فخ أعده لكم بعناية شديدة، أنتم تلعبون في ملعبه وبين أرضه وجمهوره وترقصون على أنغامه وتنجرون إلى معركة بسلاح اختاره هو لكم وأنتم الخاسرون فيها حتماً وإن تصورتم أنكم ربحتم و"فشيتم خلقكم" بشتمهم كما يشتمونكم.
ألا تكررون أخطاء الفلسطينيين عندما تجرهم الاستفزازات الإسرائيلية إلى الرد العسكري العاطفي بينما هم لا يمكنهم تحمل تبعات هذا الرد ولا يملكون أسلحة ووسائل يواجهون بها الجبروت الإسرائيلي ؟
إذا فجر فلسطيني نفسه في مطعم من شدة القهر وقتل شخص أو اثنين ترد اسرائيل بقصف غزة بالطائرات وحصارها وتجويعها وترويعها وقتل مائة مقابلهم وتحويل حياة البقية إلى جحيم بأكثر مما هي جحيم فعلاً.
وإذا شتم مسيحي محمد والإسلام يرد غوغاء ورعاع المسلمين بمهاجمة الكنائس وحرقها وافتعال الفتن الطائفية.
مرة ثانية هل وصلت الفكرة ؟
2 - حرية الكلام مقدسة لكن ماذا عن حكمة الكلام ؟
وماذا عن الحرية ؟ هه ؟ ألا تنادي أيها الملحد المنافق بالحرية وتطبل وتزمر لها دوماً وتتباكى على فقدها ؟
لماذا تريد الحجر على حرية المسيحيين في الرد ؟ أم أنك مسلم سلفي متعصب تتخفى وراء الإلحاد ؟
ألا تنكر علينا ما تفعله أنت بالضبط من انتقاد الدين ؟
سمعت هذه الردود شخصياً من أكثر من متمسح حاولت أو أوصل إليهم كلامياً ما أطرحه في هذه المقالة،
لا يا قوم، لست سلفياً ولا أختفي وراء شيء، وأزيدكم سروراً بأني لا أرتاح أيضاً للمراهقات الفكرية الإلحادية التي يتصور فيها البعض أن التحرر من الدين لا يكتمل إلا بالشتم والإقذاع.
ولكن هناك فرق جوهري وهي أن نقدنا نحن للدين (وأقصد بنحن الملحدين من أصل إسلامي)، بل وحتى شتم مراهقينا الفكريين (مثل وفاء سلطان) لا يحمل صبغة طائفية ولا يتحمل تبعاته إلا نحن أنفسنا، ليس لنا كنائس لتحرق وأهلنا مسلمون ولن يهجروا ويضيق عليهم ويمكن فقط اتهام أشخاصنا دون أهلنا بالعمالة للموساد وال CIA ومجلس الكنائس العالمي والماسونية إلى آخر قائمة التفاهات التي يرميها المتأسلمون علينا.
لا أريد الحجر على حريتكم في انتقاد الإسلام إلا كما أريد الحجر على حرية ابني إذا أراد انتقاد الحكومة في بلد ديكتاتوري بالوقوف في ساحة عامة وشتم الرئيس علناً أمام الناس، هو حر، أليس كذلك ؟ نعم حر ولكنه انتحاري، وكذلك أنتم.
باختصار نحن منهم وفيهم في النهاية وهذا ما يقودني إلى النقطة التالية:
3 - لا يمكن أن يصلح المسيحيون حال الإسلام كما لا يمكن أن يصلح المسلمون حال المسيحية.
هذا البند هو الامتداد العملي للفقرة السابقة التي يبنت فيها سهولة الرد الإسلامي بالهجوم المعاكس.
يولد النقد الخارجي لأي انسان فوراً رد فعل دفاعي تلقائي غير عقلاني حتى لو كان هذا النقد صحيحاً، لنفرض أن جارك يقول أن ابنك لص يسرق وإفسادك له هو سبب تصرفاته، ماذا سيكون رد فعلك حتى لو كانت لديك علامات استفهام وغير راضٍ عن تصرفات ابنك ؟ حتى لو برهن جارك على ما يقول، بأمانة، هل ستحبه؟
ولكن لو أتت زوجتك أو أخيك وقالا لك ذلك، ألا تسمع منهما أكثر ؟ أليسا في موقع أفضل لتقديم النصح ؟ موقع شبهة التحيز فيه أقل بكثير؟ موقع لا يشك فيه متلقي النقد برغبة الآخر في التشفي بل يعتقد أنه فعلاً يرغب في إصلاح الحال ؟
يجب أن يعرف المسيحي أنه في هذا الموضع بالضبط، هو الجار وخارج العائلة، والإنسان في النهاية ليس عقلاً فقط، بل هو عقل وعاطفة وكما يجب أن تتحلى بأقصى أنواع الحذر عند انتقاد ابن أو زوجة جارك (إذا كان تهمك علاقتك بجارك طبعا، والمسيحيون الشرقيون يهمهم قطعاً علاقتهم بالمسلمين)، يجب عليك كمسيحي توخي نفس الحذر بل وأكثر عند تناولك للإسلام.
لاحظوا بالمناسبة أن مسيحيي الغرب لا ينطبق عليهم ذلك، فالإنجيليين الأمريكيين يسرحون ويمرحون في النصوص القرآنية والأحاديث وقصص مفاخذة عائشة واغتصابها بلا خوف ولا وجل، ولكن مسيحيي أمريكا لا يهمهم إصلاح حال المسلمين أو بلاد الشرق إطلاقاً، هم يسعون للسخرية من المسلمين وبيان تخلفهم وهمجيتهم فقط، ولا يضيرهم في سبيل تلك المتعة الرخيصة أن يضحى برقاب مسيحيي الشرق. هم الجار القوي الذي لا تهمه علاقته بجاره وتسمح له قوته بقول ما يشاء عنه وعن عائلته.
أنتم - وأهلكم لو كنتم مهاجرين - من سيعيش بين المسلمين، وأنتم من يلزمه حالياً حسن نية المسلمين، ولكنكم لستم مع الأسف في موقع يمكنكم فيه انتقاد الإسلام، اتركوا ذلك لمصلحيه.
ستقولون أنهم مقصرون ولا يفعلون الكفاية ؟ صحيح صحيح صحيح، وأنا أعتذر باسمي وباسم كل علماني مسلم يوافقني في الرأي عن تصرفات طائفيي ورعاع المسلمين بحق معتنقي كل الأديان الأخرى وليس المسيحية فقط، لكننا نعيش في زمن سيء مع الأسف فالمسلم السني يقتل المسلم الشيعي وبالعكس فما بالك بمعتنقي الأديان الأخرى ؟
في النهاية أريد أن أختم مقالي ببعض الأفكار والنصائح أرجو أن يفكر كل مسيحي سوري أولا وعربي ثانياً بها، أفكار يزعم صاحبها أنه تحرر من إيديولوجيا الإسلام بحيث يستطيع الوقوف على الحياد والنظر إلى الجانبين ورؤية طرفي القضية.
أفكار يخاف عليكم صاحبها كما تخافون على أنفسكم، ليس لأني ملاك من السماء وأحبكم قبل نفسي، لا، بل لأني كعلماني وملحد أقلية، وأنتم كمسيحيين أقلية، وما يضير أي أقلية أخرى يضيرني، وكلما نقص تنوع المجتمع وقل عدد الأقليات كلما زادت فاشيته وتعصبه وانغلاقه على نفسه.
دعوني أقول لكم أنه كما المسلم يحتاج للعلمانية كي يعيش في الغرب أنتم بحاجة للعلمانية كي تعيشون في الشرق، هو يستطيع الاستغناء عن العلمانية في الشرق، أنتم لا تستطيعون، احصروا نضالكم ومطالبكم فيها ولا تدخلوا معارك جانبية الربح فيها هو بحد ذاته خسارة.
لا تقلدوا انجيليي الولايات المتحدة وبعض مسيحيي المهجر الآمنين وراء البحار، هم سيتاجرون بكم ثم لن ينفعوكم عندما تقع الواقعة بل سيذرفون عليكم دموع التماسيح ويتركونكم لمصيركم، هم يستخدمونكم كقميص عثمان للتباكي ولبيان وحشية العدو الإسلامي الوهمي الذي يريدون خلقه ليحل محل العدو الشيوعي كي يستمروا في تجييش الجيوش وصناعة الأسلحة، هم لديهم من القوة ما يسمح لهم بذلك، أنتم لا.
لا تتبنوا وتقبلوا وترددوا كالببغاءات الخطاب الإسلامي السلفي أن الإسلام هو دين ودولة، هذا الخطاب أولاً غير صحيح وثانياً يدعو إلى اليأس المطلق وثالثاً كان القساوسة يرددونه في أوروبا عن المسيحية وقد تبين خطأه هناك وسيتيبن خطأه هنا. مقتلكم في هذا الخطاب، حاربوه بكل قواكم عوضاً عن تأكيده بمناسبة وغير مناسبة. إذا كان هذا الخطاب صحيحاً فالأجدر بكم أن تحزموا حقائبكم إلى المهجر من الآن وأنا وكل علماني مسلم سنسبقكم.
أنتم ضعفاء وستظلون ضعفاء إلى أن يصبح في بلادنا دستور علماني صارم يحمي الجميع كما في الغرب، والضعيف عليه التمسك بالأرضية الأخلاقية العليا فهي أثمن ما يملك وهي من يجلب له تعاطف كل منصف، لا تدعوا رعاعكم وأرذالكم يسلبونكم إياها.
ابتعدوا عن انتقاد ما لا يمسكم في الإسلام، إذا اضطهد المسلم امرأته فهذه مشكلة امرأته ومشكلته وليست مشكلتكم، وإذا تزوج المسلم أربعة أو عشرة فهذا لا يمس نساؤكم، وإذا تزوج النبي محمد زوجة ابنه بالتبني فهذا ليس من اختصاصكم طالما لا أحد يلاحق زوجات أبناءكم.
إذا أردتم أن تناقشوا فناقشوا الجزية، ناقشوا الردة، ناقشوا حقوق الولاية لغير المسلم، ناقشوا إجبار غير المسلمة على التحجب، ناقشوا أنظمة بناء كنائسكم واتركوا إصلاح البيت الداخلي لأهله.
إياكم ثم إياكم من التعميم واستعمال كلمات مثل "العقل المسلم" و"النفسية الإسلامية" و"التخلف الإسلامي"، لا يوجد شيء اسمه عقل مسلم ونفسية إسلامية ، يوجد مليار مسلم كل واحد منهم فرد له عقله ونفسيته، استعمال مثل هذه التعابير يفقدكم أي نوع من أنواع التعاطف من أي مسلم مهما كان علمانياً ومتحرراً أو حتى ملحداً مثلي.
لن تنجحوا في إقناع المسلمين المقتنعين بترك دينهم بهذه الطريقة (أو بأي طريقة حقيقة)، الغشاوة التي يضعها الدين على عقولكم فقط هي من يهيء لكم إمكانية ذلك نظراً لاعتقادكم أن دينكم منطقي ودينهم ليس كذلك، حتى لو نجحتم مع أفراد قلائل فلن يقدموا أو يؤخروا.
هدفكم هو اجتذاب المسلم المعتدل لا تنفيره، مهمتكم هي زيادة عدد المسلمين المتعاطفين مع قضاياكم وهم كثر وللأسف كانوا أكثر، مهمتكم هي التركيز على الآيات الإيجابية في القرآن التي تدعو للتسامح وقبول الآخر، لا تذكير المسلم بالناسخ والمنسوخ إذا كان قد نسيهما ولفت نظره إلى آيات السيف إذا كان لا يعرفها.
أافهم رد فعلكم العاطفي، أفهم الألم الذي يدعوكم إلى الرد على الطائفي المسلم بطريقته وتجريعه نفس الشراب المر الذي يذيقككم إياه، لكني لا أستطيع تبريره،
لعل الإيجابي الوحيد في خطابكم هو فتح ذهن المتأسلم إلى أن من يطرق الباب ويبدأ في انتقاد عقائد الغير عليه سماع الجواب وتحمل نتائج انتقاد الناس لعقائده، لكني أخاف عليكم من حرب طائفية غير متكافئة يخسر بها الكل، الوطن والمسلم والمسيحي، لكنكم ستكونون الخاسر الأكبر.
هناك 9 تعليقات:
read and appreciated. I would love to see the day when your enlightened views are read and shared by multitudes. Thanks
يعيب المسيحي الشرقي على المسلم عدم معرفته بدينه ويمنحه خيارين لا ثالث لهما ان هو عرفه الالحاد او التطرف وينسى وينكر عليه مسارا ثالثا هو ذاته يطرقه. فالمسيحي بالوراثة يبرر لنفسه الانتقائية ويتغنى بكل ما هو جميل في كتابه المقدس ناسيا او متناسا او ربما لعدم دراية،وهم الاغلبية، ان كثيرا من نصوص القرأن التي يتناولها ويهاجمها يعج بها العهد القديم من دم وقتل وسبي وزنى وتعدد زوجات ولواط وغزوات واستملاك الاوطان بتكليف الهي. ما اكثر ما كنت استغرب من المسيحي وقوفه عند توصيف القرأن لاهل الكتاب بانهم ابناء قردة وخنازير وسخريته من الحمار يعفور في الوقت الذي يسارع دون وعي للدفاع عن عنصرية العهد القديم الذي يسمي غير اليهود بالقردة والكلاب ويذكر ان نبيا تحاور مع دابته او ان المسيح وصف غير اليهود بالكلاب، وما اسهل الهروب الى الامام بادعاء ان العهد القديم ليس من المسيحية رغم ان رجال الكنيسة يكفرون هكذا ايمان لانه يضرب اساس العقيدة، ثم عن اي حب يروج المسيحي وربه رب الجنود. المسيحي كالمسلم يجهل دينه بالعمق وهذا يسجل لهما اما ما يسجل عليهما فهو الاتهام المتبادل بالجهل وعدم معرفةالعقيدة في الجوهر والتشريع، ولطالما تساءلت اليس من الحسن هذا الجهل ومن المفيد عدم محاكاة السلف لان الطامة الكبرى تكمن في المعرفة الحقة والسعي لتطبيقها. لماذا ينساق مسيحيوا سورية وراء اقباط مصر في التعرض للاسلام ورسوله متجاهلين البين الواسع لظروف كل منهما فمصر حكومة ومؤسسات ومجتمعات وافراد يمارسون منذ سنوات طوال التضييق على الاقباط على خلاف الحال في سورية ومن جميع النواحي، ناهيك عن الدعم الغربي لهذه النعرات في مصر علهم يبررون موطئ قدم فيها. انا كلا ديني سوري في العقد السادس من العمر ومن خلفية مسيحية اعي تماما ان فكرة الاله الجهنمية جرت وبالا على البشرية ولا تزال وفي الوقت ذاته لا استهجن على المؤمن ايمانه طالما كان بينه وبين ربه الذي لم يختاره طواعية ولربما يراه الملاذ الوحيد. اتمنى على ابناء وطني الاعزاء على اختلاف انتماءاتهم الابتعاد قدر الامكان هن المماحكة الدينة واهيب بمثقفيه وسياسييه وكل شرائحه الواعية والمتنورةالسعي الى بناء سورية وطنا نهائيا للجميع على اساس المواطنة ليس الا، وليتذكر المسيحي ان جل مسلمي سورية اعتنقوا هذا الدين لاسباب ذاتية وموضوعية وما هم من الغزات وعلى المسلم السوري ان يعي ان اجداده الاولون واجداد من ليس مسلم الان هم ابناء عمومة. كلمة اخيرة تحتم علي قبل الانتهاء، شكر الاخ راضي عاقل مع الاشارة الى انني لا انتمي الى اي تنظيم سياسي ولا اروج الى اية عقيدة او لهدم سواها فما انا الا ليبرالي بكل ما في هذه الكلمة من معنى ولسان حالي يردد عسى ان ارحل عن هذه الدنيا وعينيي لم ترى كابوس الفرقة المرعب واتونه بين ابناء جلدتي.
شكرا لراضي عاقل وزياد - انا الان اكثر استنارة بقليل
احسنت في هذه المقالة واريد ان اضيف بان الديانة اليهودية هي منبع ومصدر الشر وما المسيحية والاسلام الا نسختين مشوهتين منها.
مسلم ملحد ليبي
يا الله و لا راضي
نزل مقال جديد ناطرينك
فرع الامن السياسي- القصاع
استاذ راضي مرحبا
بكل شوق ننتظر جديدك
لا تتاخر علينا
يسلمو ..
قلت ما يسرنا من القول ..
شكرا على المقال
ايه الهبل ده
إرسال تعليق