26‏/12‏/2007

اليهودية هي دين الحق !!


من أطرف ما ألاحظه وأسمعه أحياناً من شخص متدين أناقشه هو قناعته الثابتة بأن دينه (بل ومذهبه) هما الدين والمذهب المنطقيان الوحيدان على عكس بقية الأديان والمذاهب التي يجب أن يتضح بطلانها لأي شخص متجرد وحيادي (مثله طبعاً) يدرسها، حيث أن فيها من التناقضات الواضحة والخرافات المضحكة ما لا يغيب عن أي عين فاحصة !

وينظر الشخص المتدين إلي دون أن تطرف عينه وهو يقول أنه لو ولد على أي دين آخر لعرف على الفور حالما بدأ بالفهم أن دينه متناقض وغير مقنع ولبدأ رحلة البحث عن الدين الحق بدون تأخير !

بل ويؤكد بكل ثقة أنه وبرغم أنه وبمشيئة الله وبحمده قد ولد على الدين الحق، لكنه ليس مؤمنا بالوراثة، لا وألف لا، فهو (أو هي) عندما وصل إلى مرحلة البلوغ العقلي وضع دينه وإيمانه تحت مجهر البحث العلمي الموضوعي بلا عواطف أو تحيز، وعرضه على بقية الأديان والعقائد وأخضعه لميزان العقل والمنطق فوجده الدين الوحيد الذي يرضي العقل والقلب معاً وبالتالي اتبعه عن قناعة راسخة واطمئنان كامل بعكس عموم الجهلة المساكين الذين يأخذون الدين بالوراثة وبدون تفكر !


وهو طبعا على قناعة راسخة رسوخ الجبال بأن ما يمنع الناس جميعا من التحول إلى دينه ومذهبه هو التضليل الذي يمارسه كهنة وسحرة الأديان والمذاهب الأخرى على أتباعهم المساكين كي يمنعون عنهم رؤية الحق الواضح لكل ذو بصيرة. هؤلاء الكهنة – لعنهم الله - يعرفون بطلان أديانهم المتهالكة لكنهم يستخدمونها أداة للسيطرة على الناس ووسيلة للوصل إلى السلطة والجاه.

ثم يبدأ “الباحث العلمي المتجرد” بلوم نفسه وبقية أتباع دينه على تقصيرهم في نشر الدعوة وتبليغ الرسالة التي لو وصلت للناس بشكلها السليم وبلا تشويه أو تحريف (أي كما يفهمها هو بالضبط) لما بقي على سطح الأرض إلا مؤمنين بدينه ما عدا بعض الكفار المعاندين الذين يريدون التحلل من القيود الأخلاقية والواجبات التي يفرضها الدين.

الناحية الصعبة في هكذا مناقشة هي إخفاء ابتسامتي حفاظاً على مشاعر “الباحث المتجرد”، وكوني سمعت مؤخراً حديثاً مشابهاً، خطرت لي فكرة التوسع قليلاً في هذا المجال ومحاولة الإثبات - بناء على سخافة هذا الكلام بالضبط - باستخدام الإحصائيات أن الإله الإسلامي-المسيحي تحديداً غير موجود، أما الإله اليهودي يهوه فهو ينطبق مع دراستي، ونظراً لكون “الأديان غير السماوية” لا تستحق مجرد البحث في صحتها نظرا “لسخافتها الواضحة” فلم تبق إلا اليهودية لتكون هي “الدين الحق”.

لأبدأ أولاً بطرح ثلاث من المسلمات التي ينطلق منها الفكر الإسلامي-مسيحي:

1 – أن الله هو خلق الناس، أي أنه هو الذي صمم آليات التفكير واتخاذ القرار في عقولهم على ما هي عليه.
2 – أن الله أرسل الأنبياء والرسالات كي تدل الناس على دين الحق، وأن واحدة من هذه الرسالات حصراً صحيحة والباقية باطلة بلا استثناء (هنا سأعتبر أن رسالات كل الأنبياء الذين يعترف بهم الإسلام واحدة، لكن أنتم تعرفون طبعاً أن هذه الرسالات قد "حرفت" وبالتالي لم تبق إلا رسالة واحدة صحيحة، أما بالنسبة للرسالات "غير السماوية" كما أسلفت فحدث ولا حرج).
3 – أن الإله لا يقبل من البشر إلا أن يتبعوا الرسالة الصحيحة حصراً، حيث أنه يعدهم بكل نعيم إذا فعلوا ويتوعدهم بأشد النكال إذا لم يفعلوا.

بعد تثبيت النقاط السابقة (ولا أعتقد أن أي متدين يمكن أن يعترض على أي منها)، لنبدأ بالنظر إلى العالم الذي نعيش فيه، أعترف أولاً أني لا أملك إحصائيات موثقة، لكن بإمكان أي شخص لا يتفق مع ما سأصل إليه أن ينظر حوله ويرى بعينه، لا أكثر ولا أقل.

باستطاعتي التأكيد بكل ثقة أنه احتمال أن يموت أي انسان على دين آخر غير الدين الذي ولد عليه – أي يتحول عن قناعة - هو احتمال متناه في الصغر يقارب الصفر بغض النظر عن ماهية هذا الدين.

وبالتالي، وبالأخذ بعين الاعتبار المقدمات الثلاث التي أثبتها في الأعلى أصل لإحدى نتيجتين:

1 – إما أن الله شرير ويريد تضليل الناس عامداً متعمداً أو يريد أن يميز بعضهم ويدخلهم الجنة دون الآخرين فيجعلهم يولدون على “دين الحق”، وهي نتيجة منطقية تطابق واقع الأرض كما نراه، ولكنها تتعارض مع صفة أساسية من صفات الإله الإسلامي-المسيحي وهي أنه عادل ويريد الخير لعباده.
2 – أو أن الله بكل بساطة غير موجود وبإمكاننا تفسير الأديان والرسالات المختلفة وطرائق رد فعل الناس عليها بآليات تفكير معينة في الدماغ البشري يتقدم العلم الحديث في الكشف عنها حثيثاً. (أو من الناحية الهزلية إثبات أن اليهودية هي دين الحق).

والآن لأبدأ بالشرح:
أولاً: كم من الناس تغير دينها ؟
برغم الاحتفالات والأهازيج التي يقيمها المتدينون بين الحين والآخر "بهداية" واحد أو مجموعة من الناس، تبقى نسبة المتحولين مهملة تماماً أمام التعداد العام، فلو تحول مائة شخص كل يوم إلى الإسلام في أمريكا مثلاً (وهو رقم ضخم لا أعتقد أنه واقع)، فسيستغرق تحول أمريكا التي يبلغ تعدادها 300 مليوناً ثلاثة ملايين يوم أي أكثر من 8000 سنة !! طبعا هذا الحساب غير دقيق حيث يفترض أن تتسارع الأمور مع تزايد نسبة المسلمين، ولكن لن يغير كثيراً مما أريد توضيحه لو استغرق الأمر 4000 أوحتى 2000 عوضاً عن 8000 سنة !!.

لا أعرف إذا كانت توجد أي إحصائية عن أعداد المتحولين من دين إلى آخر ولكن الضجة الإعلامية والطنطنة والتهليل التي تصاحب حفلات التحول تجعلني أميل بشدة للاعتقاد بأن الأعداد صغيرة جداً، والوضع مشابه تماماً لحوادث الطائرات والسيارات، فعند سقوط طائرة ومقتل مائة شخص تظهر الحادثة على نشرات الأخبار في أنحاء العالم المختلفة، بينما يقتل مائة أو ألف ضعف عدد من يقتل في حوادث الطائرات سنوياً بحوادث السير العادية لكن لا أحد يسمع بهم، لماذا ؟ لأن الأمر عادي بكل بساطة. حوادث التحول من دين إلى آخر قليلة جداً ولذلك تحديداً نسمع بها !!!!

وبالتالي تبقى الغالبية الساحقة من الناس تولد وتموت على نفس الدين.

ثانياً: لماذا تغير الناس دينها ؟
دعني أعرض الأسباب الرئيسية:
1 – الزواج: الطرف الآخر متمسك بدينه ولن يقبل الزواج إلا بالتحول، في هذه الحالة يكون المتحول غير متدين أصلاً إذ أنه من المستحيل أن يقبل شخص متدين بالتحول لهذا السبب، وقبوله بالدين الجديد ما هو إلا مسايرة للطرف الآخر أو عائلته أو حتى القوانين (في حال الشرق الأوسط التي تمنع زواج المسلمة بغير المسلم)، مسايرتهم على مبدأ خذوهم على قدر عقولهم.
2 – الطلاق وحضانة الأطفال: من أسباب التحول للإسلام في الشرق الأوسط تحديداً حيث لا وجود للزواج أو الطلاق المدني وحيث يعطى الأطفال للطرف المسلم نظراً لكون دينه هو “الأصح”، وهي أسهل طريقة يمكن أن يتبعها الرجل أو المرأة المسيحيين، وأيضا على الأغلب لا يكون الذي يفعل ذلك متديناً أصلاً.
3 – الإرث: أيضاً في الشرق الأوسط حيث أن الشريعة السمحة لا تسمح بأن ترث الزوجة المسيحية من زوجها المسلم.
4 – الوظيفة: في شرقنا الأوسط العجيب أيضاً، حيث أسمع بين الفينة والأخرى في الصحف الخليجية عن إسلام الخادمة الفلانية أو الموظف العلتاني (غالبيتهم الساحقة من الدول الفقيرة).
5 – الجنسية: حيث تمنع قوانين بعض الدول تجنيس غير المسلم مثلاً.
6 – الإكراه: وهي الوسيلة الأهم بلا منازع في نشر أي دين عبر التاريخ، فحملات “المؤمنين” على “الكفار “ عبر التاريخ ساهمت في نشر الديانتين التوحيديتين بشكل أفعل وأسرع ألف مرة من أي تبشير بالكلمة والموعظة الحسنة وما إلى ذلك من كلام لا يقدم ولا يؤخر. وقد يكون الإكراه مباشراً بالتهديد بالقتل أو التهجير أو بخطف الأطفال وتحويلهم أو بفرض ضرائب أو شروط تعجيزية لا فكاك منها إلا بالتحول، وبرغم التراجع الحالي في استعمال هذه الطريقة الفعالة إلا أنها لا تزال مستخدمة أحياناً وخصوصاً في العالم الإسلامي (العراق مثلاً).
7 – الإعجاب أو الطاعة: أي تقليد زعيم أو ملك أو بطل معين في إيمانه مهما كان، لربما كان تحول عرب الجزيرة العربية مثالاً جيداً على هذا، حيث كانت القبيلة تسلم دفعة واحدة، مما يلغي أي احتمال في كون هذا الإسلام كان ناتجاً عن قناعة ذاتية عقلية فردية لكل شخص.
8 – المنفعة عموماً: للحصول على مساعدات إنسانية مثلاً أو الهجرة إلى بلد معين كلجوء ديني أو الحصول على منح دراسية أو وظائف مهمة وما شابه من الأمور.
تشترك كل العوامل السابقة بكونها أولاً مصلحية نفعية، وثانياً لا علاقة لها على الإطلاق بإمعان التفكير للوصول إلى “دين الحق”.
9 – وأخيراً لا أنكر التحول عن قناعة، هذا يحصل قطعاً، لكن أطلب من القارىء أن ينظر بتجرد ويسأل نفسه، يا هل ترى ما هي نسبة هؤلاء من المتحولين ؟

أطلب من القارىء أن يسأل نفسه، كم شخصاً أعرفه أو سمعت عنه تحول من دين لآخر ؟ ثم يسأل نفسه مرة ثانية لماذا تحول هؤلاء ؟

في مطلق الأحوال، ومهما كان سبب التحول فالموضوع يصبح بلا أهمية بعد الجيل الأول أو الثاني، فالأولاد أو الأحفاد لن تعرف السبب الحقيقي لتغيير دين جدها وسيصبحون “مؤمنون” بالولادة مثلهم مثل من كان سليل مائة جيل من الإيمان. فإذا فرضنا - للتسهيل - أن مصر كانت فرعونية ثم مسيحية ثم إسلامية ثم شيعية ثم سنية كما هي الآن، فنجد أن أربعة فقط من أصل مئات الأجيال التي توالت على مصر في تاريخها المكتوب قد حولت دينها، وكل الباقي مات على الدين الذي ولد عليه، هكذا بكل بساطة.

ثالثاً: في حال التخلي عن الدين الأصلي عن قناعة، إلى أين تتجه الناس عادة ؟
العالم مليء بمن تركوا الدين الذي ولدوا عليه عن قناعة (كاتب السطور واحد منهم بالطبع)، هم يعدون بمئات الملايين، ظاهرون في بعض الدول ومتخفون في منطقتنا البائسة، فكروا في دينهم ووصلوا إلى أنه ليس إلا مجموعة من العقائد القديمة وأساطير العصور الأولى.

تركوا دينهم إلى أين ؟ إلى مجموعة ثانية من العقائد القديمة وأساطير الأولين التي لا يوجد دليل على صحتها ؟ بالطبع لا، فالآليات التي تركوا دينهم لأجلها تطبق على أي دين آخر بكل بساطة لتعطي نفس النتيجة بالضبط: الإلحاد.

لماذا يقتنع الناس بسهولة بدينهم بينما لا يعيرون أي اهتمام بدراسة أي دين آخر جدياً ؟ لماذا يا ترى لا يجدون أي حرج في السخرية من سخافة الأديان الأخرى ؟

لماذا يصبح تقديس البقرة أمراً مضحكاً بينما تقبيل حجر أسود ورمي حصوات على عمود من الخرسانة عملاً منطقياً ؟
لماذا فكرة الثالوث غير منطقية ولا يحتملها العقل بينما تحدي إبليس لله جهاراً نهاراً وملاسنته له أمام الملائكة مع يقينه بقدره الله أمراً لا يتعارض مع العقل ؟
لماذا الجنة الإسلامية بحورياتها وغلمانها مضحكة وفكرة الإله الذي سمح لنفسه أن يقتل ليفتدي أخطاء لم يرتكبها الناس بعد تبدو غير غريبة ؟
لماذا يسخر المسلم من الإله اليهودي الذي يتصارع مع يعقوب ولا يستغرب تصرفات الإله الإسلامي الذي يتشاتم مع أبي لهب ؟
الجواب بكل بساطة هو تشرب الانسان دينه من والديه ومجتمعه في الصغر عندما لا يستطيع عقله الفتي تمييز صحة أو خطأ المعلومات التي يحشوها الكبار في عقله ويأخذ أي شيء يأتي منهم كمسلمات غير قابلة أو حتى خاضعة للتحليل العقلي، وكلما كان الوالدان والمجتمع متدينان أكثر كلما زاد كم الحشو الممنهج الذي يصبح التخلص منه في الكبر عملية في غاية الصعوبة وتحتاج لبذل جهد عقلي وآليات تفكير منطقية يؤدي تطبيقها إلى الاستنتاج بأن ما حشي في رأسه بكل بساطة غير صحيح برغم تكراره آلاف المرات أمامه ودفعه في حلقومه بالقوة!

فما بالك بدين غريب لا يقل خرافية وتناقضاً عن دينه الأصلي ولكنه لم يتعرف عليه إلا في الكبر حين كانت آليات عقله الدفاعية والمنطقية قد اكتملت وأصبح لا يقبل أي طرح ديني إلا بعد التمحيص فيه وإثباته. ولو قدم أي دين براهين وإثباتات لتوقف عن أن يكون ديناً ولأصبح علماً. لذلك نجد الغالبية الساحقة ممن تترك دينهم لأنهم وجدوه غير منطقي يتركونه إلى اللادينية أو الإلحاد حصراً وليس إلى أي دين آخر، وأطلب من القارىء مرة ثانية أن ينظر حوله وفي مجتمعه ويقارن نسب الملحدين بنسب المتحولين.

في النهاية، لا أريد أن يتصور أحد أني أريد أن أقول أن التحول من دين إلى آخر عن قناعة لا يحصل، بل يحصل باستمرار، فقصص أحمد حجازي في مصر والأفغاني الذي تحول إلى المسيحية والمغني يوسف إسلام وروجية غارودي حقائق لا يمكن إنكارها ولكن أسأل مرة أخرى كم يوجد منها ؟ ألف ؟ عشرة آلاف ؟ مائة ألف ؟ مليون؟ ما هي نسبة هذا أمام عالم يزيد تعداده عن ستة مليارات يا ترى ؟

أليست هذه التحولات هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة وهي أن الإنسان يموت على الدين الذي ولد عليه وبالتالي فالطريقة الوحيدة عملياً لدخول الجنة هي أن تكون محظوظاً بالولادة على “دين الحق” ؟ أي نوع من الآلهة ذلك الذي يفعل ذلك بمخلوقاته ؟

ألم يكن بمقدور الله إيجاد وسيلة أفضل من الرسالات ليدل الناس عليه ؟ ألم يكن يعرف أن هذه الرسالات لا تقدم ولا تؤخر مهما كان فيها من “الحجج المقنعة” و”المعجزات” وأنها لن تصل إلا لمن ولد عليها وأقلية تافهة أخرى لا تذكر من الآخرين ؟

ألا يدعو هذا للتفكير من هذه الناحية فقط، أن الإله الذي يفعل ذلك عامداً متعمداً شرير ؟ وبالتالي ليس هو إله الخير الموصوف في الإسلام والمسيحية ؟

الديانة “السماوية” الوحيدة التي كان إلهها صادقاً مع نفسه واعترف صراحة أنه اختار شعباً معيناً بالولادة كي يخلصه وطز ببقية الشعوب هي اليهودية التي لا تهتم بالدعوة والتبشير، وبالتالي، وأيضاً من ناحية حجج هذا المقال وحدها أيضاً، لا أجد بداً من الاعتراف أن يهوه ذو الشعب المختار هو أكثر الآلهة الابراهيمية منطقية وتطابقاً مع عالمنا الذي نعيش به، وبالتالي أدعو المسلمين والمسيحيين لاتباع “ديانة الحق” وهي اليهودية، ولكن المشكلة الوحيدة الباقية هي أن اليهودية لا تريد أتباعاً جدداً.

مشكلة عويصة فعلاً.

مساكين المسلمون والمسيحيون، انطبق عليهم المثل: رضينا بالهم والهم لم يرض بنا.




20‏/9‏/2007

فاعلم، يا رعاك الله، أن الأمور ثلاثة: الواجب والمستحيل والجائز


الواجب :لا يقبل العدم، يعني غير ممكن أن يفنى أوينتهي.
المستحيل : أي الذي لا يحتمل وجوده فيستحيل وجوده، يعني لا يقبل الوجود.
الجائز: أي الذي يقبل الوجود والعدم على السواء.

هل يبدو لك هذا الكلام، عزيزي القارئ مألوفا ؟
إن كنت من دارسي "علم" التوحيد - وأضع كلمة علم بين معترضتين كون التوحيد لا يمت للعلم بصلة – أو كنت مثلي من هواة الحوار مع المتدينين، فلا بد أن هذه الكلمات قد مرت عليك كثيراً.

يبدأ المؤمن عادة بعد هذه المقدمة العصماء بتفصيل الأمور أكثر وشرح الفروق الجوهرية بين المخلوق والخالق وبيان النقاط الدقيقة العصية على الفهم مثل الخلق من العدم والقديم والمحدث واستحالة التسلسل وما إلى ذلك من الحجج "العقلية".

وإذا ترك بلا اعتراض أو مناقشة يذهب به الخيال كل مذهب في هذا الهراء والهذيان الفكري حيث ينتصر على طواحين الهواء ويفحمها الواحدة تلو الأخرى ويبين بطلان كل العقائد والأفكار عدا العقيدة التي ولد عليها بالذات !

وأذكر في أحد الكتب الشيعية التي قرأتها أنه وصل الأمر بسماحة السيد إلى إثبات الضرورة العقلية والمنطقية لوجود الأئمة !!

ليس هدفي في هذا المقال مناقشة الموضوع بالطبع فقد تمت مناقشته آلاف المرات وبفضل الإله "غوغل" الكلي المعرفة يمكن لأي قارئ لهذا المقال الاستزادة بقدر ما يشاء من الموضوع ببعض نقرات على لوحة المفاتيح والفأرة وليس عندي ما أضيفه فيه.

ما أريد طرحه هنا أن اللاديني يرتكب خطأ كبيراً بالدخول مع المتدين في مثل هذا النقاش أصلاً، حيث أنه يسلم له في هذه الحالة بمقدماته –الخاطئة - وهي أنه يمكن الوصول إلى حسم مسألة وجود الله وبعض صفاته أيضاً باستخدام العقل المجرد فقط.

كل هذا الهراء المسمى "علم التوحيد" أوجده الكهنة لعجزهم عن الإجابة عن السؤال البسيط: إذا سلمنا جدلاً أن الله خالق كل شيء، فمن خلق الله ؟ أو بتعبير آخر: كيف تسمحون لأنفسكم أيها الكهنة بتفسير المعقد بما هو أكثر منه تعقيداً ؟ أي سخف هذا ؟

وجود الكون مسألة علمية حسية مادية خاضعة للقياس والتجربة والتحقق والتخطئة، وأي تفسير لوجود هذا الكون غير خاضع للقياس والتحقق والتجربة والتخطئة مرفوض بصفته ليس علماً بكل بساطة.

هل يمكن أن أقفل الباب على نفسي في غرفة ومعي ورقة وقلم وأعتصر ذهني طويلاً ثم أخرج بالجدول الدوري للعناصر ؟ أو بقانون الجاذبية ؟ أو بقوانين الكهرمغناطيسية ؟ هكذا، بدون أي قياس أو ملاحظة ؟ الجواب طبعاً لا، لكن لماذا أقر لرجل الدين بأن وجود الله يختلف عن هذه المسائل ؟ هل لأنه عاجز عن الاتيان بدليل مادي على طروحاته يجب علي أن أقبل تمييعه للقضية والدخول معه في الجدل العقلي الذي لا يمكن حسمه بأي طريقة من الطرق لغياب أي وسيلة للتحقق منه ؟

لو كان الجدل العقلي كافياً لإثبات الله أو أي من صفاته لآمن كل الناس من زمن بعيد، بل ولاجتمعوا على دين واحد (مرة ثانية هو الدين الذي ولد عليه الكاهن طبعاً، حيث أنه دين الحق البين لكل صاحب عقل) وانتهى الموضوع منذ فترة بعيدة ولتجاوزنا هذا النقاش كما تجاوزنا النقاش حول كروية الأرض ودورانها حيث لم يبق إلا المرحوم العلامة بن باز وحفنة قليلة من المهووسين تناقش بها.

أكرر ما كتبته سابقاً أني أعتقد أن الكاهن لا يستهدف إقناع محاوره عندما يدبج الكلام الجزل في هذه النقاشات، بل يستهدف العامة التي لا تفهم شيئاً في علم الكلام والفلسفة والتي تريد منه جواباً لا يملكه على سؤال "من خلق الله" ولكنها مستعدة أن تقتنع منه دون أن تفهم شيئاً لأنه كاهن قديس ذو لحية طويلة بينما الملحد فاسق كافر لعين وحليق الذقن أيضاً !!!!.

أعتقد أنه علينا أن نبتر هذا النقاش قبل أن يبدأ ولا نسمح للكاهن أن يشتت العامة بتفنيد مقدمته التي وضعها الكاهن لمصلحته: أن إثبات وجود الله مسألة يمكن حسمها بالعقل وحده.

ألخص الموضوع ببساطة كالتالي:

منطق الملحد: الكون موجود، لا أعرف كيف وجد وبالتالي أعلق حكمي إلى أن أستطيع الاتيان بدليل.
منطق الكاهن: الكون موجود، لا أعرف كيف وجد، إذن يوجد خالق، لا أعرف كيف وجد الخالق، أخترع هراء التوحيد وأسميه علماً وأدعو إلهي الغير موجود أن يقع الملحد في الفخ ويناقشني.



25‏/5‏/2007

إصلاح الإسلام، من داخله أم من خارجه ؟


دخلت منذ فترة قريبة في أكثر من حوار مع العديد من الأصدقاء اللادينيين في حوار كان ملخص مجراه هو ندمهم على التصريح بآرائهم اللادينية في مجتمع ليس مهيئا للاستماع إلى أو لاحتمال هذه الآراء. وقد كان يوجد هناك شبه إجماع – ما عداي - أن الطريقة الأفضل لإصلاح حال المجتمعات الإسلامية هو الابتعاد قدر الإمكان عن المواجهة المباشرة مع صحة العقيدة بحد ذاتها والتركيز على محاولة عقلنة هذه العقيدة وموائمتها مع قيم العصر الحالية والتركيز على قيم التسامح والعلمانية أكثر من محاولة نشر خطاب لا تحتمله مجتمعاتنا المتخلفة الشبه أمية.

أريد هنا بيان وجهة نظري المعاكسة لهذا التوجه وقناعتي بأن نشر الفكر اللاديني ومحاربة الفكر الغيبي بكل أشكاله – وليس الإسلام تحديدا – لا يقل أهمية، بل برأيي يفوق أهمية محاولة الإصلاح والعصرنة الجارية حاليا وفي كل الأحوال لا يتعارض معها.

سأبدأ أولا ببيان نقاط ضعف الفكر الإصلاحي وفشله شبه الكامل في تحقيق نتائج إيجابية ثم أتابع في ضرورة نقد الدين والفكر الغيبي مباشرة وبدون مواربة ثم أنهي بيان أهمية كل من الطريقتين وعدم تعارضهما.

أولا، الفكر الإصلاحي الداخلي:

قد لا يعرف البعض أن محاولات عقلنة وإصلاح الفكر الإسلامي لم تبدأ مع الهجمة السلفية الحالية، فهي ليست حديثة على الإطلاق، إذ بدأت منذ أواسط القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدة، أي منذ مائة وخمسون عاما، وقد أيد هذه المحاولات ازدياد الاحتكاك بين الشرق والغرب في فترة الاستعمار والانفتاح التدريجي والاطلاع على منجزات الحضارة الغربية ثم مقارنتها بالأوضاع البائسة في شرقنا.

وعلى طول هذه الفترة وباستثناء بعض المفكرين الذي لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، لم يجرؤ أحد من الإصلاحيين على التشكيك بالدين بحد ذاته بصريح العبارة وتوجيه النقد المباشر له كفكر غيبي يفتقر إلى الدليل وفضلوا – سواء عن قناعة بصحة الدين أو كتمويه للوصول إلى الهدف خوفا من المواجهة – معالجة نتائج وأعراض الدين عوضا عن المرض بذاته. واتبعوا عدة طرق أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر:

- ضرورة إعادة تفسير النص الديني بناء على معارف العصر وقيمه.
- تجاهل السنة (وتاريخية النص إجمالا) والاعتماد على القرآن وحده كنص خارج عن المكان والزمان.
- التركيز على النصوص التي تتفق مع روح العصر وقيمه وتجاهل أو نسيان ما يخالفها.

مزجوا هذه المناهج مع تأكيدهم المستمر على إسلامهم وإيمانهم – مرة أخرى، بقناعة أو بغير قناعة- وغيرتهم على الدين ممن "يحاولون تشويهه" ومن "أصحاب العقليات المتحجرة" وما إلى ذلك من التعابير.

مشكلة هذه الطريقة في الإصلاح باختصار هي أن المصلح يلعب في ملعب الشيخ الكاهن ووفق قواعد لعبة حددها هذا الشيخ !!

فالمصلح عندما يبدأ عرض حجته بالاعتراف بالرسالة والنبوة وصحة القرآن وعصمته وكون الإسلام هو دين الحق يكون قد خسر ثلاثة أرباع النقاش قبل أن يبدأ به، وحصر نفسه في زاوية ضيقة يستطيع الشيخ التقليدي فيها تفنيد كلامه بكل يسر وتعريته منطقيا تماما أمام القراء أو متابعي النقاش، حيث يبدو المصلح كمدلس يحاول تحميل النص بمعان لا يحتملها على الإطلاق ولي عنق اللغة بحيث تتفق مع أهوائه وآرائه.

والمصلح هنا دوما في حالة دفاع عن النفس أمام هجوم المشايخ ومضطر دوما إلى تبرير مواقفه والتأكيد المستمر على صحة إسلامه مما يعطي انطباعا سلبيا تماما أمام القارئ. ويعزز هذا الموقف من غرور الشيخ الذي جعل المصلح يرقص على أنغام مزماره ويلعب في ملعبه وأمام جمهوره بدون أي جهد.

بالإضافة إلى المصلحين الأفراد، اتبعت معظم الأحزاب التي تطلق على نفسها علمانية (مثل البعث والقومي السوري) هذا الأسلوب في تطبيق العلمانية، أي تمجيد الإسلام وتعظيمه لفظيا واستخراج اي نصوص من تراثه تتفق مع طروحاتهم "التقدمية" وإبرازها وتجاهل معاكساتها.

وقد بدا لفترة أن هذا الأسلوب قد نجح وأن المشكلة في طريقها إلى الزوال خصوصا في فترات المد الليبرالي في زمن الوصاية الأجنبية وبعده زمن المد اليساري بعد الاستقلال. حيث ضعف بشكل كبير صوت الإسلام السلفي أمام الموجة "التقدمية".

ومرة أخرى أقول أنه طوال هذه الفترة وبرغم الضعف النسبي للإسلام التقليدي لم يجرؤ أحد تقريبا على نقد الإسلام بشكل مباشر وصريح ومناقشة صحة طروحاته، خصوصا أن الدول البوليسية "العلمانية"" فضلت - بقصر نظر شديد - عدم الدخول في مجابهة لا داع لها برأيها مع المجتمع المحافظ وبالتالي لم تشجع، بل وقمعت من حاول التحرش بعش الدبابير.

وعند انهيار المشروع الحداثي لهذه الدول البوليسية، وجدت نفسها – ومعها الأقليات والإصلاحيين والمجتمع المدني كضحايا أبرياء لأخطائها - في مواجهة الوحش السلفي الذي فضلت عدم مواجهته في أيام ضعفه النسبي، هذا الوحش الذي وجد في الفشل الكامل لهذا المشروع الذي اختطفته الديكتاتوريات البوليسية فرصة سانحة ليقدم نفسه كبديل عنها أمام الجماهير التي فقدت ثقتها تماما بمدعي التقدمية وارتدت إلى زمن الغيبيات والحلم بالخلاص الآتي من السماء بعد يأسها من الأرض.

وجد هذا الوحش السلفي الفرصة سانحة ليصفي حسابه مع جميع أعدائه. الديكتاتوريات العسكرية ومعها العلمانية والديمقراطية والأقليات وحقوق الإنسان وقيم العصر وكل شي وأي شيء في ردة فكرية شاملة إلى الماضي قل نظيرها.

وجد هذا الوحش خواء فكريا علمانيا شبه شامل في مواجهة طروحاته التي ضاعت فرصة الرد عليها منهجيا عندما كان الأمر أسهل بكثير. وجد أمامه أفكارا إصلاحية هزيلة وملتوية وفوقية يمكن تفنيدها بكل يسر من قبل أي طالب شريعة في السنة الأولى له اطلاع على مصادر التراث الإسلامي.

وهكذا وبعد قرن ونصف، مائة وخمسون عاما، ستة أجيال كاملة من "إصلاح الدين من الداخل" رجعنا إلى ما قبل نقطة الصفر وعدنا نناقش من جديد و- كأن شيئا لم يحصل في هذه الفترة - أحكام التعامل مع أهل الذمة وضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وبحث هل يجوز اعتبار الشيعة – ناهيك عن العلويين والدروز والاسماعيليين - من المسلمين، مرورا بالمصارف الإسلامية والطب الإسلامي ووصولا إلى مهازل الإعجاز العلمي وفوائد العلاج ببول الجمال ومشروعية رضاعة الكبير وسط انهيار فكري وحضاري وأخلاقي شامل وكامل.

لا أعتقد أنه يمكن أن يفشل مشروع أكثر مما فشل المشروع الإصلاحي الإسلامي ولعله آن الوقت لتجريب مقاربة جديدة وعدم تكرار أخطاء الماضي.

ثانيا، الفكر الإصلاحي الخارجي،

وهنا لربما كان استعمال تعبير "الفكر الإصلاحي" غير دقيق نوعا ما، فهنا ليس الهدف إصلاح الدين في أي حال من الأحوال بل نقضه من أساسه وتبيان تناقضاته وبشرية مصدره، وأقصد بالإصلاح هنا هو إصلاح المجتمع أو الناس وليس الدين.

لعل أول وأهم ميزات هذه المقاربة هي اتساقها الفكري وبالتالي تناسقها وقوتها وقدرتها على الإقناع، فعندما أسقط قدسية النص أسقط معها السيف المسلط على رقاب كل من تجرأ وأعمل عقله في النصوص المقدسة، هذا السيف القاطع لأي نقاش والمخمد لأي عقل الذي يشهره في وجهي بانتظام كل من ناقشته:

أخ راضي، هل أنت مؤمن بالله أم لا ؟

كما أسلفت سابقا، يعني الجواب الإيجابي على هذا السؤال خسارة النقاش مقدما، فالمؤمن لا يناقشني برأيه بل بنص منزل، وعدم اعترافي بقدسية هذا النص يمكنني من مناقشته بحرية تامة ووضعه على المحك من مختلف الجوانب، التاريخية واللغوية والعلمية والأخلاقية والمنطقية وغير ذلك بدون حرج وبدون اضطراري لإخفاء ما أقصد وراء كلمات يمكن تفسيرها بأكثر من معنى وصياغات مبهمة ومتعالية وفوقية على فهم الناس البسطاء مثل "فلسفة التأويل" و "الاتجاه العقلي في التفسير" و "النص، السلطة، الحقيقة، إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة" مع احترامي الشديد للدكتور نصر حامد أبو زيد، فأرجو ألا يفهم كلامي على أنه انتقاص من القيمة العلمية لهذه الكتب لأني لم أقرأ إلا مقتطفات منها ولست في وارد تقييمها. ما أريد قوله هو أن هذه الكتب بعيدة تماما عن فهم الناس العاديين بعكس الخطاب الديني التقليدي السهل الفهم والمتسق مع ذاته بشكل عام.

وعندما يقرأ الشخص العادي كتابا أو يسمع محاضرة مباشرة وصريحة ومتسقة منطقيا حول الأديان فسيحفزه هذا أكثر بكثير على تشغيل عقله واستخدام ملكات المحاكمة المنطقية فيه بعكس الخطاب الإصلاحي الذي يعتمد جله على آليات عقلية لا علاقة لها بالمنطق مع الأسف.

النقطة الثانية المهمة هي تعويد الناس على حقيقة أنه يوجد في الدنيا لادينيين وملحدين ! وأن هؤلاء الملحدين مثل بقية البشر وليسوا كائنات من الفضاء الخارجي، يحبون ويكرهون ويخافون ويغضبون ويأكلون وينامون ويلاعبون أطفالهم ويحبون زوجاتهم ويميزهم عن غيرهم فقط رفض الإيديولوجية الدينية.

فقد نجح الإرهاب الفكري والجسدي الإسلامي في إخراس الفكر الناقد تماما بحيث لا يعرف الناس الملحدين إلا عن طريق الترهات والأكاذيب التي يلفقها رجال الدين عليهم، فأصبح الإلحاد مرادفا للشذوذ الجنسي وزنا المحارم والضياع النفسي والعقلي والجنون وإلى ما ذلك. أو مرادفا للغباء مثل الملحدين الوهميين المتخلفين عقليا الذي يحاورهم وينتصر عليهم و"يفحمهم" الشيوخ بكل يسر في كتب الهراء والسخف مثل "حوار مع صديقي الملحد".

ونظراً لأن الإصلاحيين يعلنون صباح مساء أنهم مسلمين أتقياء، فلا أحد منهم يريد أن يوصم بالإلحاد ويدخل في معركة يتصور أنه بغنى عنها إذا دافع عن الملحد، وبالتالي ستبقى هذه النظرة إلى أن تتغير المقاربة.

والإنسان عدو ما يجهل، وطالما يتصور المسلم البسيط أنه لا يوجد على الأرض ملحدين عدا الصور الكرتونية المقدمة أعلاه فسيظل عدو لذلك الملحد ولن ينظر مطلقا له كشريك في وطن، بل كمجرم يجب إخراجه أو إخراسه أو قتله.

النقطة الثالثة الهامة هي أن المصلحين الداخليين يوجهون جل اهتمامهم إلى قضية الحرية الفكرية وحقوق الإنسان بشكل كبير جداً، بينما تبقى حقيقة أن الفكر الغيبي الأسطوري بكل أشكاله تجب محاربته لأنه فكر غيبي أسطوري بغض النظر عن تسامحه أو عدمه.

والفكر الأسطوري لا يقتصر على الأديان، فالأبراج Astrology والطب البديل مثلا ليست أديانا ولا تهدد حقوق الإنسان ولا قيم التسامح ومع ذلك يجب محاربتها وتعريتها وفضحها تماما مثل الدين.

والمسيحية في الغرب التي حسمت أمرها وكفت عن التهديد والوعيد لمخالفيها واتخذت موقف حمائم السلام لم تسلم من هجوم العلمانيين الغربيين برغم كل ذلك، فبرغم موقفها المسالم لا تزال إيديولوجيتها تتدخل في قضايا الأبحاث العلمية وتنكر فروعا هامة من العلم وتساهم بشكل فعال في تجهيل الناس وتسطيح تفكيرهم وكونها مسالمة ولا تهدد لا يغير من ذلك شيئا.

الفكر العلمي هو قيمة بحد ذاته، الشك هو فضيلة ولا غنى عنه للوصول إلى المعرفة، الإيمان بشيء بلا دليل حسي عليه هو نقيصة وأمر مرفوض وليس فضيلة كما يحشى في الأذهان، ولا يوجد أشخاص أو أفكار أو عقائد غير قابلين للنقد والتفنيد، هذه أساسيات وأدوات لا غنى عنها في تقدم أي مجتمع ومع شديد الأسف لا نجد ذكرا لها في الخطاب الإصلاحي الداخلي.

أرجو ألا يفهم من كلامي أني أعارض المصلحين الداخليين، على العكس أشد على أياديهم وأبارك جهودهم وأتمنى لهم كل توفيق، وأقول لهم أن جهودهم ستنجح بشكل أسرع بكثير عندما يوضع الدين في مكانه الصحيح وهو دور العبادة فقط وتنزع أنيابه ومخالبه تحت ضربات الفكر العلمي اللاديني، فعندما تنزع القوة السياسية من أيدي رجال الدين سيجدون أن تفهمهم للفكر الإصلاحي المتسامح وتبنيهم له سيكون من مصلحتهم ومصلحة دينهم قبل أي شيء آخر.

أما عامة الناس فلا مشكلة فيهم على الإطلاق، فهم لا يعرفون شيء عن الدين إلا ما يقوله لهم المشايخ بكل بساطة، وبالتالي إذا كان هؤلاء المشايخ منفتحين ومتنورين ومسالمين فسينتقل هذا تلقائيا إلى العامة ببساطة، وسيتكرر ما حصل في إصلاح الدين المسيحي الذي اكتشف قساوسته وأحباره أنه دين متسامح بعد أنهار الدم التي أسالوها عبر القرون عندما ضعفوا فقط !!!!!!!

وعندما اكتشف القساوسة الضعفاء المنزوعي المخالب "تسامح" المسيحية صدق الناس أن المسيحية فعلا دين متسامح بدون أدنى جهد ويناقشون في ذلك أيضاً بكل جدية بل ويتحدثون عن أن الإسلام بعكس المسيحية غير قابل للإصلاح !!!!

ينسون أنه قبل 40 عاما فقط كان الإسلام متسامحا تماما أثناء المد العلماني الاشتراكي، هل تغير الإسلام في 40 سنة ؟ لا طبعا ولكنه ازداد قوة ولملم جراحه واستفاد من فشل بدائله فقط نظراً لأن الكل جبن أو لم يرد مواجهته ووضعه في مكانه السليم. وعندما ازداد قوة تغول واستوحش مثل أي إيديولوجية شمولية تدعي امتلاكها الحقيقة المطلقة.

وأخشى ما أخشاه هو استيقاظ الغول المسيحي النائم في الغرب ردا على مثيله الإسلامي، فالمزيج المتفجر بين تقنية الغرب وقوته العسكرية وبين فكر شمولي غيبي مسيحي يمكن أن يهدد جديا إن وجد الحضارة البشرية بالكامل. وإذا حصل ذلك، فسيتمنى الإسلاميون قبل غيرهم أنهم لم يفتحوا صندوق باندورا.

قبل أن أختم بتصوري للحل، أقول للمصلحين الإسلاميين، جهودكم مباركة وبالتوفيق وأحترم عملكم، توجد لدينا أهداف مشتركة هي العيش المشترك وحرية التعبير، لكن إلى هنا وفقط، فأنا أرفض الفكر الغيبي من ناحية المبدأ بكل بساطة.

في النهاية، من سيعلق الجرس ؟ أكاد أسمع القارىء يقول: من هذا المزاود الذي يطلب من المصلحين تعريض حياتهم للخطر أكثر مما هي معرضة ؟

ألا يعرف ما هي نتائج التصريح بالإلحاد وتوجيه النقد إلى أصل العقيدة في العالم الإسلامي ؟

نعم أعرف، ونعم أنا أول من يخاف على حياته وعلى سلامة عائلته ولا أزاود على أحد ولا أبيع وطنيات ولست في وارد العنتريات الانتحارية.

أنا أطلب وأكرر الطلب من حكومات بلادنا أن تحمينا بكل بساطة وتضمن حقنا وحق غيرنا في التعبير وألا تسمح لأحد أن يهددنا، حكوماتنا ودولنا هي الجهات الوحيدة التي تملك قدرا من القوة يمكنها بها مواجهة التهديد الإرهابي الغوغائي.

أريد أن أقول لها أن مصلحتها الذاتية أولا ومصلحة البلاد على المدى البعيد ثانيا ليست في تجنب المشكلة والدوران عليها علها تزول من تلقاء نفسها بتملق التيارات الإسلامية وترك الحبل على الغارب لها لتسيطر على المجتمع طالما هي بعيدة عن السياسة، هذا جرب من قبل وأثبت فشله، بل في البدء بأسرع ما يمكن في مواجهتها بطريقة منهجية وعلى أسس جديدة.

أعرف أني أطلب الكثير من حكومات فاسدة وشمولية لا ترى أبعد من أنفها ولكن يحق لي أن أحلم على الأقل وأن أوجه نداء عل أحد يسمعه.

في انتظار تحقق الحلم يجب استغلال أي منبر تعبير إعلامي جماهيري متاح لنشر الفكر العلمي الصريح والغير مهادن ومحاولة الوصول إلى أكبر عدد من الناس وبذر بذور التنوير في أكبر عدد ممكن من العقول علها تثمر بعد حين وفي أجيال المستقبل.