28‏/9‏/2015

هل أنت طائفي؟


من المسلي للغاية سماع عبارة" "أنا لست طائفياً، ولكن ....."، ثم يتبعها قائل العبارة فوراً بكلام تقطر منه الطائفية، ولعل الترجمة الأفضل لهذه العبارة هي: أنا طائفي، ولكني أخجل من للك، وفي نفس الوقت لا أستطيع كتمان هذه الطائفية في قلبي، لذلك سأبدأ بالنفي عل من يسمعني يصدق أو يعذرني.

ولا بد هنا من القول بأن الطائفية لا يمكن اختزالها بمجرد نعم أم لا، هذا طائفي وذاك ليس كذلك، فالطائفية طيف واسع للغاية يبدأ من الاعتدال الشديد مثل تجنب التزاوج مع طائفة أخرى وتنتهي عند مخبولي داعش وأشباههم ونظرائهم من بقية الطوائف، مروراً بدرجات عديدة منها تجنب علاقات العمل ثم الجوار ثم علاقات الصداقة انتقالاً إلى علاقات المعرفة العابرة ومنها إلى التعريض الصريح بمعتقدات الغير والمجاهرة بعدائهم ووجوب التمييز ضدهم انتهاء بأقصى درجات التطرف العنيف. وأغلب الناس طبعاً تقع على نقطة ما في الوسط.

وليس من الضروري أن يعي المرء أنه طائفي حتى يكون كذلك، فالطائفية مع الأسف متجذرة في مجتمعاتنا إلى درجة أن الخطاب الطائفي (والعنصري أيضاً مع الأسف) لدينا يمر بدون ملاحظة أو حتى إرادة واعية.

ولا أوجه هذ المقال طبعاً إلى من يجاهر، بل يفتخر أيضاً، بطائفيته، فبالنسبة لهؤلاء الطائفية هي منهج حياة وعقيدة محترمة ومجال للمباهاة والمزاودة على الآخرين، أذكر هنا بعض بالتخصيص بعض الثوار السوريين الميامين الذين أثروا اللغة العربية بكلمة جديدة هي "التائفية"، وهي مشتقة طبعاً من الأصل العربي ويستخدمونها كما يبدو في السخرية من المخنثين وأشباه الرجال من أمثالي الذين يرون بأن الطائفية شر وخطأ ولا يمكن أن تبنى اعتماداً عليها أوطاناً تستحق الحياة فيها.

وبالرغم من أن الطائفية منبثقة بالطبع من لإيمان الديني، إلا أنهما ليسا شيئاً واحداً، فكما أنه ليس بالضرورة أن يكون كل أبيض البشرة عنصرياً ضد السود، كذلك ليس من الضروري أن يكون كل مؤمن طائفياً تجاه بقية الأديان، ولدي في حياتي الخاصة أمثلة كثيرة لحسن الحظ عن مؤمنين عن قناعة ومع ذلك لا طائفيين بالكامل أو يقعون على درجة منخفضة جداً في سلم الطائفية.

ومن نافل القول أن الطائفية ليست حكراً على الإسلام قطعاً. فهي متجذرة عميقاً في نفوس مواطنينا بغض النظر عن الديانة، ولكن هذا لا ينفي مع الأسف الأمر الواضح، وهو أن أكثر تجلياتها قبحاً وتطرفاً وعنفاً بلا منازع محصورة في بعض المسلمين، ولكن هذا باعتقادي لا يرجع إلى الإسلام بقدر ما يرجع إلى كون المسلمين هم الأغلبية العددية التي تستطيع المجاهرة بطائفيتها وممارستها بأمان دون الخوف من عواقب ذلك، بعكس بقية الطوائف التي تتبنى العلمانية كضرورة ناتجة عن ضعفها لا عن قناعة بها.

بقي أن أذكر هنا العلامات الدالة على الطائفية، بدون ترتيب معين، مع شيء من التفصيل:

- عندما تشعر أن تقبلك للطوائف الأخرى في بلادك، وحتى قبولك بالمساواة معهم، هو فضل ومنة يجب أن يشكروك عليها.
المساواة وحقوق الإنسان لا تبع من عقيدة معينة ولا يجب أن يبرر أصلاً الاعتراف بها بأنها تتوافق مع نصوص هذه العقيدة أو تلك، حقوق الإنسان نابعة فقط من كونه إنسان، نقطة انتهى. وليست بكل تأكيد منة أو فضل من فئة على أخرى تهبها أو تمنعها.

- عندما تطالب بحكم وشريعة طائفة الأكثرية في بلادك وتطالب بالمساواة لك في البلاد الأخرى.
من أكثر علامات النفاق بشاعة، ومع الأسف منتشرة بشكل هائل.

- عندما تطالب الناس بألا يأخذونك بجريرة المتطرفين من طائفتك بينما لا تجد غضاضة في تصنيف الآخرين حسب تصرفات أسوأهم.
ووجهها الأخر طبعاً، وهو عندما تعذر جرائم طائفتك وتبررها بكونها أخطاء فردية أو ردود فعل، ولا تجد حرجاً في تعميم جرائم أفراد أو جماعات تنتمي إلى أي طائفة أخرى على جميع المنتمين إليها.

- عندما تفسر كلمات "أقلية" و"أغلبية" في نقاش سياسي على أنها تعني ديناً أو طائفة عوضاً عن اتجاه سياسي أو اقتصادي.
قليل مما يحز في القلب أكثر من كون الدول العربية القليلة التي فيها برلمانات منتخبة يتوزع نوابها على الطوائف عوضاً عن الأحزاب السياسية والاتجاهات الاقتصادية. بئس الديمقراطية ديمقراطية الطوائف.

- عندما تحب صدام حسين لنفس الأسباب التي تكره حافظ الأسد لأجلها أو بالعكس.
وأنا لا أحاكم هنا أفعال أيهما ولا أقارن بينهما لأعرف من الأفضل، لكن قليل ما هو أبشع من نفاق السوريين والعراقيين الذين يكرهون أحد الرجلين فقط لكونه ينتمي لطائفة معينة ويحبون الآخر لأنه ينتمي للأخرى.

- عندما تعتقد أنه يجب تدريس ونشر دينك ومذهبك (والأديان والمذاهب التي ترضى عنها) فقط في المدارس ووسائل الإعلام الحكومية. (مع التنويه هنا باعتقادي الشخصي بضرورة عدم نشر وتدريس أي دين على الإطلاق في مدارس ووسائل إعلام الدولة).
ثم تزيد الأمر سوءاً بتبرير ذلك بالرغبة في عدم إثارة البلبلة والفتن.


- عندما ترى أنه يجب احترام شعائرك الدينية فقط دون غيرها وتجرح مشاعرك عند عدم حصول ذلك.
لا بد لي من القول أن قضية مشاعر الطائفيين المرهفة تزعجني للغاية، فالطائفي لا يكتفي باحترامه الشخصي لشعائره ومعتقداته، بل يعتقد أن على غير المؤمنين بها احترامها كذلك تحت طائلة ردود فعل تتراوح بين النظرات العابسة والتعليقات المهينة، وانتهاء بالمظاهرات الصاخبة والأعمال العنيفة. ومن البديهي أن هذا الاحترام من طرف واحد فقط، لأن احترام جميع المعتقدات أمر مستحيل.

- عندما يثور حسك الإنساني المرهف وتتباكى على الضحايا المدنيين من طائفتك فقط.
هذه القضية من إفرازات الحرب السورية البشعة، حيث يتحفنا الطائفيون الذين يتسولون عطف "المجتمع الدولي" باستمرار بصور ضحايا الأطفال والنساء من طائفتهم حصراً، بالصدفة المحضة طبعاً !

- عندما تعتقد أن السبيل الوحيد لحل مشكلة الطوائف المختلفة يكمن في "إقناعها"، بخطأ معتقداتها.
سمعتها ورأيتها أكثر من مرة مع الأسف، ومن ناس يمكن حمل كلامهم على محمل النية الحسنة أيضاً.

في النهاية أحب أن أنوه أنني من الناس التي تعتقد أن مسألة الطائفية، التي لا يفوقها أهمية إلا مسألة لانفجار السكاني، قد تم تجاهلها تماماً حتى الآن (مع مسألة الانفجار السكاني أيضاً لزيادة الأـمر سوءاً).
حيث عالجتها السلطة في سوريا بالعبارات المنمقة مثل "اللحمة الوطنية" و"الفسيفساء السورية" و"التعايش المشترك"، وذلك بطريقة خياطة الجرح فوق القيح دون تنظيفه، واستمرت في فرض السلم الأهلي اعتماداً على قوة القمع فقط حتى انفجر الأمر بأكمله في وجوهنا جميعاً الآن.

وما لم يفتح حوار جدي حول هذه المسألة سيكون أي حل يتم التوصل إليه مجرد هدنة أخرى في حرب تبدو بلا نهاية.