20‏/9‏/2007

فاعلم، يا رعاك الله، أن الأمور ثلاثة: الواجب والمستحيل والجائز


الواجب :لا يقبل العدم، يعني غير ممكن أن يفنى أوينتهي.
المستحيل : أي الذي لا يحتمل وجوده فيستحيل وجوده، يعني لا يقبل الوجود.
الجائز: أي الذي يقبل الوجود والعدم على السواء.

هل يبدو لك هذا الكلام، عزيزي القارئ مألوفا ؟
إن كنت من دارسي "علم" التوحيد - وأضع كلمة علم بين معترضتين كون التوحيد لا يمت للعلم بصلة – أو كنت مثلي من هواة الحوار مع المتدينين، فلا بد أن هذه الكلمات قد مرت عليك كثيراً.

يبدأ المؤمن عادة بعد هذه المقدمة العصماء بتفصيل الأمور أكثر وشرح الفروق الجوهرية بين المخلوق والخالق وبيان النقاط الدقيقة العصية على الفهم مثل الخلق من العدم والقديم والمحدث واستحالة التسلسل وما إلى ذلك من الحجج "العقلية".

وإذا ترك بلا اعتراض أو مناقشة يذهب به الخيال كل مذهب في هذا الهراء والهذيان الفكري حيث ينتصر على طواحين الهواء ويفحمها الواحدة تلو الأخرى ويبين بطلان كل العقائد والأفكار عدا العقيدة التي ولد عليها بالذات !

وأذكر في أحد الكتب الشيعية التي قرأتها أنه وصل الأمر بسماحة السيد إلى إثبات الضرورة العقلية والمنطقية لوجود الأئمة !!

ليس هدفي في هذا المقال مناقشة الموضوع بالطبع فقد تمت مناقشته آلاف المرات وبفضل الإله "غوغل" الكلي المعرفة يمكن لأي قارئ لهذا المقال الاستزادة بقدر ما يشاء من الموضوع ببعض نقرات على لوحة المفاتيح والفأرة وليس عندي ما أضيفه فيه.

ما أريد طرحه هنا أن اللاديني يرتكب خطأ كبيراً بالدخول مع المتدين في مثل هذا النقاش أصلاً، حيث أنه يسلم له في هذه الحالة بمقدماته –الخاطئة - وهي أنه يمكن الوصول إلى حسم مسألة وجود الله وبعض صفاته أيضاً باستخدام العقل المجرد فقط.

كل هذا الهراء المسمى "علم التوحيد" أوجده الكهنة لعجزهم عن الإجابة عن السؤال البسيط: إذا سلمنا جدلاً أن الله خالق كل شيء، فمن خلق الله ؟ أو بتعبير آخر: كيف تسمحون لأنفسكم أيها الكهنة بتفسير المعقد بما هو أكثر منه تعقيداً ؟ أي سخف هذا ؟

وجود الكون مسألة علمية حسية مادية خاضعة للقياس والتجربة والتحقق والتخطئة، وأي تفسير لوجود هذا الكون غير خاضع للقياس والتحقق والتجربة والتخطئة مرفوض بصفته ليس علماً بكل بساطة.

هل يمكن أن أقفل الباب على نفسي في غرفة ومعي ورقة وقلم وأعتصر ذهني طويلاً ثم أخرج بالجدول الدوري للعناصر ؟ أو بقانون الجاذبية ؟ أو بقوانين الكهرمغناطيسية ؟ هكذا، بدون أي قياس أو ملاحظة ؟ الجواب طبعاً لا، لكن لماذا أقر لرجل الدين بأن وجود الله يختلف عن هذه المسائل ؟ هل لأنه عاجز عن الاتيان بدليل مادي على طروحاته يجب علي أن أقبل تمييعه للقضية والدخول معه في الجدل العقلي الذي لا يمكن حسمه بأي طريقة من الطرق لغياب أي وسيلة للتحقق منه ؟

لو كان الجدل العقلي كافياً لإثبات الله أو أي من صفاته لآمن كل الناس من زمن بعيد، بل ولاجتمعوا على دين واحد (مرة ثانية هو الدين الذي ولد عليه الكاهن طبعاً، حيث أنه دين الحق البين لكل صاحب عقل) وانتهى الموضوع منذ فترة بعيدة ولتجاوزنا هذا النقاش كما تجاوزنا النقاش حول كروية الأرض ودورانها حيث لم يبق إلا المرحوم العلامة بن باز وحفنة قليلة من المهووسين تناقش بها.

أكرر ما كتبته سابقاً أني أعتقد أن الكاهن لا يستهدف إقناع محاوره عندما يدبج الكلام الجزل في هذه النقاشات، بل يستهدف العامة التي لا تفهم شيئاً في علم الكلام والفلسفة والتي تريد منه جواباً لا يملكه على سؤال "من خلق الله" ولكنها مستعدة أن تقتنع منه دون أن تفهم شيئاً لأنه كاهن قديس ذو لحية طويلة بينما الملحد فاسق كافر لعين وحليق الذقن أيضاً !!!!.

أعتقد أنه علينا أن نبتر هذا النقاش قبل أن يبدأ ولا نسمح للكاهن أن يشتت العامة بتفنيد مقدمته التي وضعها الكاهن لمصلحته: أن إثبات وجود الله مسألة يمكن حسمها بالعقل وحده.

ألخص الموضوع ببساطة كالتالي:

منطق الملحد: الكون موجود، لا أعرف كيف وجد وبالتالي أعلق حكمي إلى أن أستطيع الاتيان بدليل.
منطق الكاهن: الكون موجود، لا أعرف كيف وجد، إذن يوجد خالق، لا أعرف كيف وجد الخالق، أخترع هراء التوحيد وأسميه علماً وأدعو إلهي الغير موجود أن يقع الملحد في الفخ ويناقشني.