26‏/12‏/2007

اليهودية هي دين الحق !!


من أطرف ما ألاحظه وأسمعه أحياناً من شخص متدين أناقشه هو قناعته الثابتة بأن دينه (بل ومذهبه) هما الدين والمذهب المنطقيان الوحيدان على عكس بقية الأديان والمذاهب التي يجب أن يتضح بطلانها لأي شخص متجرد وحيادي (مثله طبعاً) يدرسها، حيث أن فيها من التناقضات الواضحة والخرافات المضحكة ما لا يغيب عن أي عين فاحصة !

وينظر الشخص المتدين إلي دون أن تطرف عينه وهو يقول أنه لو ولد على أي دين آخر لعرف على الفور حالما بدأ بالفهم أن دينه متناقض وغير مقنع ولبدأ رحلة البحث عن الدين الحق بدون تأخير !

بل ويؤكد بكل ثقة أنه وبرغم أنه وبمشيئة الله وبحمده قد ولد على الدين الحق، لكنه ليس مؤمنا بالوراثة، لا وألف لا، فهو (أو هي) عندما وصل إلى مرحلة البلوغ العقلي وضع دينه وإيمانه تحت مجهر البحث العلمي الموضوعي بلا عواطف أو تحيز، وعرضه على بقية الأديان والعقائد وأخضعه لميزان العقل والمنطق فوجده الدين الوحيد الذي يرضي العقل والقلب معاً وبالتالي اتبعه عن قناعة راسخة واطمئنان كامل بعكس عموم الجهلة المساكين الذين يأخذون الدين بالوراثة وبدون تفكر !


وهو طبعا على قناعة راسخة رسوخ الجبال بأن ما يمنع الناس جميعا من التحول إلى دينه ومذهبه هو التضليل الذي يمارسه كهنة وسحرة الأديان والمذاهب الأخرى على أتباعهم المساكين كي يمنعون عنهم رؤية الحق الواضح لكل ذو بصيرة. هؤلاء الكهنة – لعنهم الله - يعرفون بطلان أديانهم المتهالكة لكنهم يستخدمونها أداة للسيطرة على الناس ووسيلة للوصل إلى السلطة والجاه.

ثم يبدأ “الباحث العلمي المتجرد” بلوم نفسه وبقية أتباع دينه على تقصيرهم في نشر الدعوة وتبليغ الرسالة التي لو وصلت للناس بشكلها السليم وبلا تشويه أو تحريف (أي كما يفهمها هو بالضبط) لما بقي على سطح الأرض إلا مؤمنين بدينه ما عدا بعض الكفار المعاندين الذين يريدون التحلل من القيود الأخلاقية والواجبات التي يفرضها الدين.

الناحية الصعبة في هكذا مناقشة هي إخفاء ابتسامتي حفاظاً على مشاعر “الباحث المتجرد”، وكوني سمعت مؤخراً حديثاً مشابهاً، خطرت لي فكرة التوسع قليلاً في هذا المجال ومحاولة الإثبات - بناء على سخافة هذا الكلام بالضبط - باستخدام الإحصائيات أن الإله الإسلامي-المسيحي تحديداً غير موجود، أما الإله اليهودي يهوه فهو ينطبق مع دراستي، ونظراً لكون “الأديان غير السماوية” لا تستحق مجرد البحث في صحتها نظرا “لسخافتها الواضحة” فلم تبق إلا اليهودية لتكون هي “الدين الحق”.

لأبدأ أولاً بطرح ثلاث من المسلمات التي ينطلق منها الفكر الإسلامي-مسيحي:

1 – أن الله هو خلق الناس، أي أنه هو الذي صمم آليات التفكير واتخاذ القرار في عقولهم على ما هي عليه.
2 – أن الله أرسل الأنبياء والرسالات كي تدل الناس على دين الحق، وأن واحدة من هذه الرسالات حصراً صحيحة والباقية باطلة بلا استثناء (هنا سأعتبر أن رسالات كل الأنبياء الذين يعترف بهم الإسلام واحدة، لكن أنتم تعرفون طبعاً أن هذه الرسالات قد "حرفت" وبالتالي لم تبق إلا رسالة واحدة صحيحة، أما بالنسبة للرسالات "غير السماوية" كما أسلفت فحدث ولا حرج).
3 – أن الإله لا يقبل من البشر إلا أن يتبعوا الرسالة الصحيحة حصراً، حيث أنه يعدهم بكل نعيم إذا فعلوا ويتوعدهم بأشد النكال إذا لم يفعلوا.

بعد تثبيت النقاط السابقة (ولا أعتقد أن أي متدين يمكن أن يعترض على أي منها)، لنبدأ بالنظر إلى العالم الذي نعيش فيه، أعترف أولاً أني لا أملك إحصائيات موثقة، لكن بإمكان أي شخص لا يتفق مع ما سأصل إليه أن ينظر حوله ويرى بعينه، لا أكثر ولا أقل.

باستطاعتي التأكيد بكل ثقة أنه احتمال أن يموت أي انسان على دين آخر غير الدين الذي ولد عليه – أي يتحول عن قناعة - هو احتمال متناه في الصغر يقارب الصفر بغض النظر عن ماهية هذا الدين.

وبالتالي، وبالأخذ بعين الاعتبار المقدمات الثلاث التي أثبتها في الأعلى أصل لإحدى نتيجتين:

1 – إما أن الله شرير ويريد تضليل الناس عامداً متعمداً أو يريد أن يميز بعضهم ويدخلهم الجنة دون الآخرين فيجعلهم يولدون على “دين الحق”، وهي نتيجة منطقية تطابق واقع الأرض كما نراه، ولكنها تتعارض مع صفة أساسية من صفات الإله الإسلامي-المسيحي وهي أنه عادل ويريد الخير لعباده.
2 – أو أن الله بكل بساطة غير موجود وبإمكاننا تفسير الأديان والرسالات المختلفة وطرائق رد فعل الناس عليها بآليات تفكير معينة في الدماغ البشري يتقدم العلم الحديث في الكشف عنها حثيثاً. (أو من الناحية الهزلية إثبات أن اليهودية هي دين الحق).

والآن لأبدأ بالشرح:
أولاً: كم من الناس تغير دينها ؟
برغم الاحتفالات والأهازيج التي يقيمها المتدينون بين الحين والآخر "بهداية" واحد أو مجموعة من الناس، تبقى نسبة المتحولين مهملة تماماً أمام التعداد العام، فلو تحول مائة شخص كل يوم إلى الإسلام في أمريكا مثلاً (وهو رقم ضخم لا أعتقد أنه واقع)، فسيستغرق تحول أمريكا التي يبلغ تعدادها 300 مليوناً ثلاثة ملايين يوم أي أكثر من 8000 سنة !! طبعا هذا الحساب غير دقيق حيث يفترض أن تتسارع الأمور مع تزايد نسبة المسلمين، ولكن لن يغير كثيراً مما أريد توضيحه لو استغرق الأمر 4000 أوحتى 2000 عوضاً عن 8000 سنة !!.

لا أعرف إذا كانت توجد أي إحصائية عن أعداد المتحولين من دين إلى آخر ولكن الضجة الإعلامية والطنطنة والتهليل التي تصاحب حفلات التحول تجعلني أميل بشدة للاعتقاد بأن الأعداد صغيرة جداً، والوضع مشابه تماماً لحوادث الطائرات والسيارات، فعند سقوط طائرة ومقتل مائة شخص تظهر الحادثة على نشرات الأخبار في أنحاء العالم المختلفة، بينما يقتل مائة أو ألف ضعف عدد من يقتل في حوادث الطائرات سنوياً بحوادث السير العادية لكن لا أحد يسمع بهم، لماذا ؟ لأن الأمر عادي بكل بساطة. حوادث التحول من دين إلى آخر قليلة جداً ولذلك تحديداً نسمع بها !!!!

وبالتالي تبقى الغالبية الساحقة من الناس تولد وتموت على نفس الدين.

ثانياً: لماذا تغير الناس دينها ؟
دعني أعرض الأسباب الرئيسية:
1 – الزواج: الطرف الآخر متمسك بدينه ولن يقبل الزواج إلا بالتحول، في هذه الحالة يكون المتحول غير متدين أصلاً إذ أنه من المستحيل أن يقبل شخص متدين بالتحول لهذا السبب، وقبوله بالدين الجديد ما هو إلا مسايرة للطرف الآخر أو عائلته أو حتى القوانين (في حال الشرق الأوسط التي تمنع زواج المسلمة بغير المسلم)، مسايرتهم على مبدأ خذوهم على قدر عقولهم.
2 – الطلاق وحضانة الأطفال: من أسباب التحول للإسلام في الشرق الأوسط تحديداً حيث لا وجود للزواج أو الطلاق المدني وحيث يعطى الأطفال للطرف المسلم نظراً لكون دينه هو “الأصح”، وهي أسهل طريقة يمكن أن يتبعها الرجل أو المرأة المسيحيين، وأيضا على الأغلب لا يكون الذي يفعل ذلك متديناً أصلاً.
3 – الإرث: أيضاً في الشرق الأوسط حيث أن الشريعة السمحة لا تسمح بأن ترث الزوجة المسيحية من زوجها المسلم.
4 – الوظيفة: في شرقنا الأوسط العجيب أيضاً، حيث أسمع بين الفينة والأخرى في الصحف الخليجية عن إسلام الخادمة الفلانية أو الموظف العلتاني (غالبيتهم الساحقة من الدول الفقيرة).
5 – الجنسية: حيث تمنع قوانين بعض الدول تجنيس غير المسلم مثلاً.
6 – الإكراه: وهي الوسيلة الأهم بلا منازع في نشر أي دين عبر التاريخ، فحملات “المؤمنين” على “الكفار “ عبر التاريخ ساهمت في نشر الديانتين التوحيديتين بشكل أفعل وأسرع ألف مرة من أي تبشير بالكلمة والموعظة الحسنة وما إلى ذلك من كلام لا يقدم ولا يؤخر. وقد يكون الإكراه مباشراً بالتهديد بالقتل أو التهجير أو بخطف الأطفال وتحويلهم أو بفرض ضرائب أو شروط تعجيزية لا فكاك منها إلا بالتحول، وبرغم التراجع الحالي في استعمال هذه الطريقة الفعالة إلا أنها لا تزال مستخدمة أحياناً وخصوصاً في العالم الإسلامي (العراق مثلاً).
7 – الإعجاب أو الطاعة: أي تقليد زعيم أو ملك أو بطل معين في إيمانه مهما كان، لربما كان تحول عرب الجزيرة العربية مثالاً جيداً على هذا، حيث كانت القبيلة تسلم دفعة واحدة، مما يلغي أي احتمال في كون هذا الإسلام كان ناتجاً عن قناعة ذاتية عقلية فردية لكل شخص.
8 – المنفعة عموماً: للحصول على مساعدات إنسانية مثلاً أو الهجرة إلى بلد معين كلجوء ديني أو الحصول على منح دراسية أو وظائف مهمة وما شابه من الأمور.
تشترك كل العوامل السابقة بكونها أولاً مصلحية نفعية، وثانياً لا علاقة لها على الإطلاق بإمعان التفكير للوصول إلى “دين الحق”.
9 – وأخيراً لا أنكر التحول عن قناعة، هذا يحصل قطعاً، لكن أطلب من القارىء أن ينظر بتجرد ويسأل نفسه، يا هل ترى ما هي نسبة هؤلاء من المتحولين ؟

أطلب من القارىء أن يسأل نفسه، كم شخصاً أعرفه أو سمعت عنه تحول من دين لآخر ؟ ثم يسأل نفسه مرة ثانية لماذا تحول هؤلاء ؟

في مطلق الأحوال، ومهما كان سبب التحول فالموضوع يصبح بلا أهمية بعد الجيل الأول أو الثاني، فالأولاد أو الأحفاد لن تعرف السبب الحقيقي لتغيير دين جدها وسيصبحون “مؤمنون” بالولادة مثلهم مثل من كان سليل مائة جيل من الإيمان. فإذا فرضنا - للتسهيل - أن مصر كانت فرعونية ثم مسيحية ثم إسلامية ثم شيعية ثم سنية كما هي الآن، فنجد أن أربعة فقط من أصل مئات الأجيال التي توالت على مصر في تاريخها المكتوب قد حولت دينها، وكل الباقي مات على الدين الذي ولد عليه، هكذا بكل بساطة.

ثالثاً: في حال التخلي عن الدين الأصلي عن قناعة، إلى أين تتجه الناس عادة ؟
العالم مليء بمن تركوا الدين الذي ولدوا عليه عن قناعة (كاتب السطور واحد منهم بالطبع)، هم يعدون بمئات الملايين، ظاهرون في بعض الدول ومتخفون في منطقتنا البائسة، فكروا في دينهم ووصلوا إلى أنه ليس إلا مجموعة من العقائد القديمة وأساطير العصور الأولى.

تركوا دينهم إلى أين ؟ إلى مجموعة ثانية من العقائد القديمة وأساطير الأولين التي لا يوجد دليل على صحتها ؟ بالطبع لا، فالآليات التي تركوا دينهم لأجلها تطبق على أي دين آخر بكل بساطة لتعطي نفس النتيجة بالضبط: الإلحاد.

لماذا يقتنع الناس بسهولة بدينهم بينما لا يعيرون أي اهتمام بدراسة أي دين آخر جدياً ؟ لماذا يا ترى لا يجدون أي حرج في السخرية من سخافة الأديان الأخرى ؟

لماذا يصبح تقديس البقرة أمراً مضحكاً بينما تقبيل حجر أسود ورمي حصوات على عمود من الخرسانة عملاً منطقياً ؟
لماذا فكرة الثالوث غير منطقية ولا يحتملها العقل بينما تحدي إبليس لله جهاراً نهاراً وملاسنته له أمام الملائكة مع يقينه بقدره الله أمراً لا يتعارض مع العقل ؟
لماذا الجنة الإسلامية بحورياتها وغلمانها مضحكة وفكرة الإله الذي سمح لنفسه أن يقتل ليفتدي أخطاء لم يرتكبها الناس بعد تبدو غير غريبة ؟
لماذا يسخر المسلم من الإله اليهودي الذي يتصارع مع يعقوب ولا يستغرب تصرفات الإله الإسلامي الذي يتشاتم مع أبي لهب ؟
الجواب بكل بساطة هو تشرب الانسان دينه من والديه ومجتمعه في الصغر عندما لا يستطيع عقله الفتي تمييز صحة أو خطأ المعلومات التي يحشوها الكبار في عقله ويأخذ أي شيء يأتي منهم كمسلمات غير قابلة أو حتى خاضعة للتحليل العقلي، وكلما كان الوالدان والمجتمع متدينان أكثر كلما زاد كم الحشو الممنهج الذي يصبح التخلص منه في الكبر عملية في غاية الصعوبة وتحتاج لبذل جهد عقلي وآليات تفكير منطقية يؤدي تطبيقها إلى الاستنتاج بأن ما حشي في رأسه بكل بساطة غير صحيح برغم تكراره آلاف المرات أمامه ودفعه في حلقومه بالقوة!

فما بالك بدين غريب لا يقل خرافية وتناقضاً عن دينه الأصلي ولكنه لم يتعرف عليه إلا في الكبر حين كانت آليات عقله الدفاعية والمنطقية قد اكتملت وأصبح لا يقبل أي طرح ديني إلا بعد التمحيص فيه وإثباته. ولو قدم أي دين براهين وإثباتات لتوقف عن أن يكون ديناً ولأصبح علماً. لذلك نجد الغالبية الساحقة ممن تترك دينهم لأنهم وجدوه غير منطقي يتركونه إلى اللادينية أو الإلحاد حصراً وليس إلى أي دين آخر، وأطلب من القارىء مرة ثانية أن ينظر حوله وفي مجتمعه ويقارن نسب الملحدين بنسب المتحولين.

في النهاية، لا أريد أن يتصور أحد أني أريد أن أقول أن التحول من دين إلى آخر عن قناعة لا يحصل، بل يحصل باستمرار، فقصص أحمد حجازي في مصر والأفغاني الذي تحول إلى المسيحية والمغني يوسف إسلام وروجية غارودي حقائق لا يمكن إنكارها ولكن أسأل مرة أخرى كم يوجد منها ؟ ألف ؟ عشرة آلاف ؟ مائة ألف ؟ مليون؟ ما هي نسبة هذا أمام عالم يزيد تعداده عن ستة مليارات يا ترى ؟

أليست هذه التحولات هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة وهي أن الإنسان يموت على الدين الذي ولد عليه وبالتالي فالطريقة الوحيدة عملياً لدخول الجنة هي أن تكون محظوظاً بالولادة على “دين الحق” ؟ أي نوع من الآلهة ذلك الذي يفعل ذلك بمخلوقاته ؟

ألم يكن بمقدور الله إيجاد وسيلة أفضل من الرسالات ليدل الناس عليه ؟ ألم يكن يعرف أن هذه الرسالات لا تقدم ولا تؤخر مهما كان فيها من “الحجج المقنعة” و”المعجزات” وأنها لن تصل إلا لمن ولد عليها وأقلية تافهة أخرى لا تذكر من الآخرين ؟

ألا يدعو هذا للتفكير من هذه الناحية فقط، أن الإله الذي يفعل ذلك عامداً متعمداً شرير ؟ وبالتالي ليس هو إله الخير الموصوف في الإسلام والمسيحية ؟

الديانة “السماوية” الوحيدة التي كان إلهها صادقاً مع نفسه واعترف صراحة أنه اختار شعباً معيناً بالولادة كي يخلصه وطز ببقية الشعوب هي اليهودية التي لا تهتم بالدعوة والتبشير، وبالتالي، وأيضاً من ناحية حجج هذا المقال وحدها أيضاً، لا أجد بداً من الاعتراف أن يهوه ذو الشعب المختار هو أكثر الآلهة الابراهيمية منطقية وتطابقاً مع عالمنا الذي نعيش به، وبالتالي أدعو المسلمين والمسيحيين لاتباع “ديانة الحق” وهي اليهودية، ولكن المشكلة الوحيدة الباقية هي أن اليهودية لا تريد أتباعاً جدداً.

مشكلة عويصة فعلاً.

مساكين المسلمون والمسيحيون، انطبق عليهم المثل: رضينا بالهم والهم لم يرض بنا.